الشيخ أبو القاسم الزياني

أبو القاسم الزياني (مدينة الخنيفرة)

هو أبو القاسم بن أحمد بن علي أوبراهيم،الملقّب ب(الزياني).             ولد بمدينة فاس سنة (1784م)،وكان جدّه (عليّ بن إبراهيم) قد قَدم لمكناسة من منطقة (أذخسان) شرق مدينة خنيفرة بإيعاز من السلطان المولى إسماعيل،حيث كان وقتها مُدرّساً لامعاً بإحدى المدارس العلمية ب(مدشرأروكّو).                                                               في كتاب (البستان الظريف)الذي يُعتبرمن أشهر وأهمّ ما ألّفه أبو القاسم الزياني،وَثّق أبو القاسم قصة قُدوم جدّه من عُمق المجال الزياني إلى الحاضرة الإسماعيلية كإمام للسلطان الذي رافقه من هناك عَقبَ رُجوعه من إحدى حَركاته ب(فازاز)،حيث أقام السلطان ب(أذخسان) يُحارب (أيتأومالو) حتى أكمل بناء (قصبة أذخسان) الجديدة بمَحلّ القديمة التي بنى (يوسف بن تاشفين) وخرّبت..                                            ولمّا دخل فصل الشّتاء ترك بالقصبة ألف وخمسمائة فارس من عبيد أهل دكالة الّذين كانوا ب(وجه عروس)،أنقلهم من مكناسة بأوْلادهم.واْنزل ب (زاوية محمّد الحاج / الزاوية الدّلائية )ألف وخمسمائة فارس من عبيد الشّاوية،أنقلهم بأوْلادهم لحصار البربر ومنعهم للنّزول للمرعى.. ولما رجع السلطان من حركته،يقول أبو القاسم الزياني: [ إنتقل معه جدّنا الفقيه الأستاذ سيدي علي بن ابراهيم بأولاده لمكناسة. لما نزل السلطان بأذخسانوإجتمع به الأشراف الذين بأروكو،قال لهم:(دَلّوني على رجل خير دَيّن فَقيه،يُصلّي بي).فقالوا له: (ليس بهذا الجبل أتْقى وأزكى من سيدي علي بن ابراهيم).وأتوه به،فكان إمامه يُصلّي به في المحلّة.ولما رجع أخذه معه فترك أولاده الكبار بداره،وتوجّه بوالدي صغيراً معه،فنشأ بمكناسة مع والده إلى أن زوّجه مولاي إسماعيل بأمّنا بنت العيّاط الحسني.ولما مات مولانا إسماعيل،مات جدّنا بعده بسبعة أيام ]. والسلطان توفي يوم السبت 27 رجب عام (1139هـ/1725م)..                  توفي أبو القاسم الزياني عصر يوم الأحد رجب (1241هـ/1883م)،ودفن بأمر من السلطان داخل (الزاوية الناصرية) بحيّ السياح بمدينة فاس..

__ الرجوع لكتاب (البستان الظريف) لأبي القاسم الزياني / ص 169..

=== زاوية تمسكورت===

ومن الواضح لدى الباحثين في التّاريخ الإجتماعي اْنّ الزّوايا لعبت اْدواراً هامّة في صنع التّحوّلات،بإعتبار وظائفها الدّينيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّةوالسّياسيّة،وخصوصاً في المناطق التي عرفت تمثيلاً ضعيفاً للسّلطة المخزنيّة اْو في حالات النّزاع السّياسي (كما وقع في القرن الخامس عشر حيث ساندت الزّوايا قيام الإمارة السّعديّة) اْو في حالات الإعتداءات الاْجنبيّة (كما وقع بعد إحتلال العديد من المدن والمناطق المغربيّة من قبل القوّات الإيبيريّة في بداية القرن الخامس عشر)،وكما حدث أيضاًإبّان الزّحف الإستعماريّ على المغرب بدايات القرن الماضي .. وبالتّالي فالزّوايا لم تكن فضاء للإعتزال وإنتاج الثقافة الدينيّة الموجّهة للعبادات،فقط،بل كانت جزءاً لا يتجزّأ من النّسيج الإجتماعيّ،وعاملاً لا يمكن تغافله في قراءة التقلّبات السّياسية في المغرب إبتداء من القرن الخامس عشر إلى زمن الإحتلال الأجنبيّ بدايات القرن العشرين،بل إلى اليوم حيث تلعب الزّوايا،كآليّات إيديولوجيّة،ضمن اْخرى،وظيفة الحفاظ على ديمومةالسّلطة الحاكمة عبر تصريفها للفعل السّياسي في (لبوس الرّموز الدّينيّة)مُقابل عطايا وهبات ومنافع مادّية وإمتيازات إجتماعية ومناصب حكوميّة لصالح (مُدبّري المقدّس) ومن يُحيط بهم من اْذرع فكرية ودينيّة وإقتصادية..

الطّرق الصّوفيّة التي عرفت إنتشاراً واسعاً في المغرب،وغَطّت مجموع الجهات هي : (النّاصريّة والدّرقاويّة)،وكذلك كان الاْمر بالنسبة للمغرب الأوْسَط حيث إكتسحت الطّريقة الدّرقاوية(المجال التّادلي) المُجاور لبلاد (زيان)،في حين عرفت الطّريقة النّاصرية حُضوراً مكثّفاً في (المجال الزّياني)،وإن كان ذلك لا يعني عدم تواجد الطّرق الأخرى في كلا المجالين..

وقد كانت (تامسكورت)في قلب(المجال الزّياني)إحدى منازل (النّاصريّين)،في الطّريق الرّابطة بين (درعة وفاس)،وكذلك كان مدشر(أروكّو)الذي كان به مريدون ناصريّون أخذوا عن الشّيخ (امْحَمّد بن ناصر)قبل ذلك الأوان (رسائل الشّيخ بن ناصر ).وب(زاوية أروكّو) النّاصريّة كان يُدَرّس،جدّ المؤرّخ الشّهير أبو القاسم الزّياني،(سيدي علي أوبْراهيم) قبل اْن يُرافقه السّلطان المولى إسماعيل إلى مكناسة،بعدما كان قد إختبر قدراته الفقهيّة خلال إحدى إقاماته الرّبيعيّة ب(أذَخْسان) جوار مدشر(أرُوكّو)،وهناك شيشغل منصب إمام بالقصر السّلطاني إلى اْن وافته المنيّة بعد وفاة السّلطان بعشرة أيّام .. وقد يكون هذا الفقيه والعالم، الذي كان يتميّز بنبوغه في علم الاْنساب وإتقانه للقراءات العشر،هو مؤسّس (زاوية سيدي علي أوبراهيم) قرب عيون اْمّ الرّبيع التي يعتبرها مُرابطو المجال الزّياني_ (إمْرابْضَن) بمدينة (مريرت) _ مرجعهم الرّوحي،حيث لا زال ضريح الولي سيدي علي أوبراهيم بمقرّ الزّاوية إلى اليوم مَحطّ تقدير وتوقير من يعتبرون اْنفسهم من سلالة هذا المؤسّس، ومن غيرهم. كما كانت تحيط بالزّوايا المذكورة مدارس علميّة عديدة وزوايا صغيرة ومغمورة يفترض اْن تكون لها صلة بهاته الطّريقة: مثل مدرسة (أسول) و(بوسادر)على صعيد “الجبل”،وزاويتي(بَريّاخ) و (سيدي اعْمَر) ب “اْزاغار”غرب زيان واللّتين عُرفتا بالشّيخ (سيدي محمد واعْزيز) الذي إشتهر بدعوته لمحاربة المستعمر الفرنسي حيث ألّف قصيدة شعريّة في هذا الإطار سمّاها: (عبرة أولي الاْبصار في وجوب الهجرة من أرض الكفّار)..

ف(تامسكورت) قد تكون من اْولى منازل النّاصريين بالمجال الزّياني، حيث توجد شواهد تاريخية تتحدّث عن العلاقات التي كانت تربط شيخ النّاصريين بالقصر السّلطاني الإسماعيلي، كما تتحدّث اْخرى عن علاقة ودّ كانت تربط الشّيخ باْحد أحفاد الدّلائييّن،وهو ما يُشير،بغضّ الطّرف عن التناقض الحاصل في هاتين العلاقتين،للمرحلة التّاريخية التي بسطت فيه زاوية (تامسكورت) نفوذها على المنطقة..

تقع بقايا هاته الزّاوية جنوب مدينة خنيفرة،على بُعد خمس كلمترات تقريباً في إتجاه الجنوب على شاطئ الضفّة اليمنى لنهر أمّ الرّبيع،قريباً من قنطرة (مَزْضْإيلْفان)أي(مطحنة الخنازير)التي شيّدها الدّلائيّون لتكون رابطاً بين (الجبل والمُنْبسط) وتُيَسّر عُبور الرّحل والقوافل التجارية في إتجاهالضفّتين،خصوصاً وأنها تقع على الطّريق الرّابطة بين درعة وفاس،علاوة على ربطها بين “الجبل” (ملجأ فصل الصيف وإشتداد الحرارة)و”المُنْبَسَط / أزاغار”(مأوى فصل الشتاء وموسم الثلوج)..

فكيف نشأت هاته الزّاوية؟ وبماذا إتّصفت علاقاتها بمحيطها المحلّي والمركزيّ؟ومن هو قطبها المؤسّس؟.

يقول الشّيخ أبو العبّاس أحمد بن خالد النّاصري،في سياق حديثه عن أبناء الشّيخ سيدي محمد بن ناصر مؤسّس الزاوية الناصرية ب(تامكروت) جنوب المغرب:[…ومنهم سيدي (محمد) الذي يُدعى (الكبير) لكونه أكبر بني أبيه على الاطلاق …ولد ستّ واربعين وألف (1641م)..]..

أمّا عن العلماء الّذين تتلمذ عليهم فيُخبرنا الشّيخ أنّه:[ أخذ عن والده وعليه تخرّج ..ورحل الى فاس فأخذ بها عن جماعة من علمائها وغيرهم، ومن أشهرهم: الامام أبو الحسن علي الشهير بالمراكشي، والشيخ أبو الحسن بن مسعود أليوسي،وأبو الحسن علي الدّادسي صاحب (اليواقيت في علم المواقيت)..وكانت له معرفة بعلم الجدول وإطّلاع على أسراره،حتى إنّه إذا رقم الجدول على الأرض تُنير منه الدّنانير،فأمره والده بترك ذلك والإتّكال على اللّه تعالى،فقال له:(بشرط أن تضمن لي كلّ ما أحتاج إليه في أمور الدّنيا)،فقال له:(قد ضمنت لك ذلك ما تركته)،فلم يَعُد وما إشْتكى الفقر قطّ حتى لحق بربّه..]..

إنّ (بركة) هذا الوليّ الذي سيشدّ الرّحال إلى بلاد فازاز، (تامسكورت) تحديداً،حيث سيُشيّد بها زاويته المعروفة بنفس الإسم،ستبدو على أقواله وأفعاله كما يُفيدنا بذلك صاحب السيرة قائلاً:[ وحدّثني الاْستاذ أبو العبّاس أحمد بن مسعود الكنسوسي أنّه سمع الشيخ سيدي محمد الخليفة (أخوه) يقول: إنّ محمداً سريع الغضب،سريع الرّضى،مُجاب الدّعوة،فلا تتعرّضوا له بشيء ممّا يكره،وما دعا على ظالم قطّ إلاّأهلكه الله)..

ويحكي عنه كرامة أخرى وهي أنه: [ في بعض السنين وَفد (أي الشيخ سيدي محمد الكبير بن ناصر)على السلطان مولاي إسماعيل بمكناسة..كان الشيخ ماراً بين قصور السلطان فخرجت عليه جماعة من الأسود والقناجر(الكلاب الضخمة) فخضعت له ولم تضُرّه،فإزداد السلطان به إعتناء ومحبة..]..

إن العلاقة بين (المتصوف والسلطان) تدعو إلى التأمل والتأويل،بناء على معطيات تاريخية تتعلق بهاته المرحلة التاريخية التي كانت مطبوعة بالتوتّر والحذر في علاقة السلطان ب(صنهاجة / فازاز)،خصوصاً وأن تجربة المواجهة مع (الدلائيين) لم تندمل جراحها بعد،ومن هنا لا يُستبعد أن السلطان كان يُحاول إستمالة (زاوية تمسكورت) لخدمة أغراضه السياسية في المنطقة..وما يدعّم هذا التأويل هو كون الزاوية كانت قد إستقطبت وقتها كثيراً من المريدين والأتباع،ووجودها على طريق القوافل التجارية وقُرب معبر قبائل زيان بين الجبل والسهل،وما يعنيه كل ذلك من قيمة إستراتيجية لموقع الزاوية..ناهيك عن علاقات ودّ كانت تربط الشيخ الناصري بأحد أحفاد الدلائيين،كما يُفيد بذلك محمد المكي الناصري إستناداً إلى نص رسالة بين الشخصين يُواسي فيها محمد الكبير الناصري صديقه الشرقي بن أبي بكر الدلائي في المُصاب الذي كان قد ألَمّ بالزاوية الدلائية (الرجوع إلى كتاب “الروض الزاهر”)..

توفي الشيخ محمد الكبير الناصري سنة (1713م)،وقبره شهير بزاوية (تمسكورت) ومقصود بالزيارة..

وللعلاّمة الشريف الأديب أبي عبد الله سيدي محمد العلمي المعروف ب(الحوّات الشّفشاوني) قصيدة بديعة كُتبت بالأصباغ على حائط القبّة المبنية عليه..كما كان موضوع رثاء أبي العباس الشتوكي صاحب (تاريخ البصائر) بقصيدة دالية أثنى عليه..

إنّ حائط القبّة اليوم لا تبدوعليه علامات تلك القصيدة التي قد تكون تعرّضت لمناقب الشيخ،إذ أن ما تبقى هو أجزاء من تلك النقوش البديعة على الخشب التي زيّنت بها سقوف القباب،وهي عبارة عن أشكال هندسية متعاقبة على شكل دائري مُستوحية أشكال الزّهور (الطبيعة)لتلتحم وتفترق على نحو لا ينتهي،دون إغفال ما تبقّى من أقواس وأعمدة متماثلة داخل الضريح التي تمثل الزخرفة والعمارة الإسلامية في تقاطعاتها مع العمارة المغربية التقليدية..

== (تمسكورت): مدشر صغير على شاطئ نهر أم الربيع،جنوب خنيفرة على بعد 5 كلمترات تقريباً.

والإسم أمازيغي مكوّن من ثلاث روابط : الأول إسم إشارة هو (ثا)،وتعني(هاته). والثاني (أَمْ)،وتعني (مِثْل). والثالث (ثسكّورت)،وتعني (أنثى طائر الحَجَل) / ويصبح الإسم بمعنى (هاته مثل الحجل / ثا أم ثسكورت)،وبعد الإدغام ستُصبح (ثَمَسْكورْتْ).

والمعروف أن طائر أنثى الحجل يُطلق في اللغة الأمازيغية،على سبيل الكناية،على المواقع الخصبة وعلى المرأة المميّزة بالجمال الباهر، وبالتالي فقد يكون إطلاق هذا الإسم على هذا الموقع لإتّصافه بالجمال الطبيعي وبالخصوبة،إذ هناك موقع آخر بنفس المجال يُعرف به (ثيط ن تسكورت) أي (عين الحجل)..

ذ رشيد موعشي

حصل المقال على : 1٬159 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد