السؤال الرابع عشر: ما السبب المانع لنا من سماع كلام الله تعالى..؟.
قلت :الصفات السبع المعروفةعند العلماءبصفات المعاني هن:القدرة،والإرادة،والعلم، والحياة، والسمع، والبصر،والكلام . فالله تعالى قادر(والله على كل شيء قدير).(فعال لما يريد)،عالم(والله بكل شيءعليم)حي(الله لا إله إلاهو الحي القيوم)سميع وبصير(ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير)،ومتكلم (وكلم الله موسى تكليما)..(إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي)،(فأجره حتى يسمع كلام الله) .
الله تعالى مُتكلِّم بكلام أزلي ليس ككلام البشر،لأن الحق تعالى(ليس كمثله شيء)فكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذالك.وكما ان الرؤيا ممنوعة فكذلك الكلام بين الله والخلائق ممنوع. قال تعالى(إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)وسماه شيئا وهوغير موجود وخاطبه وهو غير موجود،وسمع الأمرالإلهي وامتثله،فالحق تعالى لايخفى عليه شيء،وقوله تعالى (كن فيكون)يفيد ان الكون في تغير مستمر،والتجليات الإلهية دائمة (كل يوم هو في شان) وخروج الاشياء من وجود علمي،الى وجود عيني غير منقطع(سماها ابن عربي الأعيان الثابتة في العدم)فالكون لايثبت على تجل واحد،اذ لوكان الامر كذلك، لاستغنى عن الله،فهو في تغير دائم ،فالتجليات الإلهية هي غذاء الكون ومدده،فالخطاب الإلهي للاشياء،في حال عدمها وفي وجودهاغير منقطع،وهذا الخطاب الإلهي ديوانه هو بساط مرتبة الالوهية،حيث الاسماء الإلهية والحقيقة المحمدية.قال احد العارفين يشيرالى هذه الوساطة المحمدية “فخاطبته فسمع منك ثم خاطب الكون فصارالكل عائدا إليك ..انتهى'”.
فالأمر كله يرجع لله(اليه يرجع الامر كله) والنبوة المحمدية ما هي الا واسطة، ووساطتها ضرورية ،لغنى الحق تعالى عن العالمين (وماكان لبشران يكلمه الله الا وحيا او من وراءى حجاب)حجاب الوساطة المحمدية(ماكان لبشر)وعمم سبحانه وتعالى ولم يقل “وماكان لنبي اورسول“وانتبه الى كلمة (وراىء) كيف رسمت وليس “وراء” فكلمات الله،هي خطاباته تعالى للكون الإلهي، وهي تجليات اسمائه وحضرات النبوة المحمدية. وبالنسبة لابن عربي مقتضيات الأسماء الإلهية كلها كلمات الله.
يقول ابن عربي:اعلم أنّ الممكنات هي كلمات الله التي لاتنفد،وبها يظهرسلطانها الذي لايبعد، وهي مركبات، لأنّها أتت للإفادة فصدرت عن تركيب يعبّر عنه باللسان العربي بلفظة (كن) فلا يتكون منها إلا مركب من روح وصورة،فتلتحم الصور بعضها ببعض لمابينها من المناسبات…والمادة التي ظهرت فيها الكلمات هي نفس الرحمن ولهذا عبّر عنه بالكلمات.انتهى فابن عربي يرى أن الوجود قد نشأ حروفا في(النْفس الإلهي). أرادت الألوهية أن ترى نفسها في صورة غيرذاتها،فتكونت مراتب الوجود الأساسية،كما تنتظم اللغة في النفس الإنساني،فإذا استوت الحروف،أمكن تكوين الكلمات،واذا استوت بالمثل مراتب الوجود الأساسية، امكن ظهور الموجودات انتهى (الفتوحات).
أليست الموجودات في النهاية هي كلمات الله ؟(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)فالموجودات كلمات الله،لها وجه الى القدم من حيث وجودها في علم الله الأزلي،ولها وجه الى الحدوث من حيث ظهورهافي صورالوجود.
قلت في الجواب عن السؤال السابق، الرؤيا ممنوعة،لأنها ستلحق تغييرات كبيرة بكل الدوائر الكونية،فالكلام كذلك ممنوع، لأنه إذا كان الكلام من الله مباشرة( تعالى عن ذلك علوا كبيرا)فلا حاجة من ارسال الرسل،ولاإنزال الكتب،ولا حاجة من جبريل ملك الوحي،ولا حاجة لإبليس ،فكل من عصى يعاقب أشد عقاب في الحين.
فالحق تعالى متكلم بكلام لامعرفة لنا به ؟. الإنسان يستخدم الصوت والحرف للتواصل،ويحتاج الى فم، وشفتين، ولسان،وجوف(الحروف الجوفية)والى الهواء الذي ينقل الكلام ،والحق تعالى (ليس كمثله شيء)وغني عن الصورة والجسم،والتشبه بمخلوقاته،فلا خُبرلنا ولاخَبرعن الذات الإلهية،فلا الرؤيا متاحة،ولا الكلام مباح.
كما أن الصوت والحرف خاصين بالإنسان. أخبرنا الحق تعالى عن “لغة” النمل،قال تعالى(قالت نملة ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون)والنمل علميًّا يتواصل فيما بينه عن طريق الرائحة والتلامس،ويتبادل المعلومات عن طريق اللعاب،كما أثبت ذلك العلماء. الحق سبحانه وتعالى،ترجم لنا منطقها ” قالت نملة”.
قال تعالى(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)جواب السماء والأرض (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)كيف قالتا؟ وهوجواب حقيقي لا مجازي.هل تكلمت بحرف وصوت،وفم ،وشفتين؟؟. (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ)أتراها سبحت بحرف،وفم،ولسان،وشفتين؟! (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد). والجوارح التي شهدت على الكفار(لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ).والنبي صلى الله عليه وسلم، ذكر سلام الحجرعليه،وتسبيح الحصا في يده،وتسبيح الطعام بين يديه،وحنين الجذع لفراقه.
فالأرض والسماء والجبال والجلود،أنطقها الحق تعالى،بالكيفية التي أرادها وقدرلها ،وفطرها عليها،وليس مثل كيفية كلامنا، فالله تبارك وتعالى وتقدس، أولى بالغنى عن مثل ذلك.تكلم كيف شاء،بالكيفية التي تليق بتنزيهه.أما الحرف والصوت فمن صفات المخلوقات.
فعلينا ان نعلم أن الخلق عباد الله،والعبد عبد والرب رب،وحقيقة العبودية تقتضي طاعة المعبود ومحبته،والخلق لايصلون إلى كمال طاعته ومحبته لضعفهم الذاتي(خُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا)فَجاءَت النبوة بشرامثلهم،واسطة بين حضرتين يتعذر تواصلهما ،فبلغت الطرف الخلقي، أنباء الطرف الحقي،فأقام طاعتهم قام طاعته(مَّن يُطِعِ ٱلـرَّسُولَ فَقَدأَطَاعَ ٱللَّهَ)وأقام مبايعته،مقام مبايَعَتِهِ،وَمَحَبته مقام محبته(قُل إِنْ كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّه فَٱتَّبعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ)
فلانسبة بين الخالق والخلائق،نسبتهم مع هذا العبد النوراني،الذي له وجهة حقية موالية للألوهية، ووجهة حقية موالية للعبودية.فكل معاملات الخلق هي مع هذا النبي،الوسيط البرزخي.الذي لوخلاالكون من أسرار خلافته لفتح المجال للجلال المحض(فَإِمَّانَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّامِنْهُم مُّنتَقِمُونَ) فالوساطة المحمدية حجاب واق من جلال التجليات الإلهية،ولو.. وأقول “ولو” لو كانت الرؤيا في الدنيا والكلام في الدنيا دون الوساطة المحمدية، لكان الجلال المحض،ولفنى العالم من أول ” كن فيكون” وقد صدق من قال “لولاه لم تخرج الدنيا من عدم. ومن قال “لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط” .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بضعة رسول الله وعلى آله وصحبه.