السؤال العاشر:
يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني وسئلوني :ماتقولون في نحو قوله تعالى(لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) وقوله تعالى (لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) الآية،هل المراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الأمة.ويكون صلى الله عليه وسلم،قد تحمل عن أمته صولة الخطاب الالهي، فإن كان هو المراد فأين القول بعصمته؟.
قلت :
هناك ايات وردت بالقرءان الكريم،الغرض منها تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم، كي لا يعبد من دون الله، لأن الصحابة كانوا قريبي عهد بالجاهلية وبعبادة الاصنام. (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)وهل من المنتظر بمن أرسله الله تعالى لمحاربة الشرك ،وإعلاء كلمة “لا اله الا الله” ،أن تصدر عنه مخالفة لأوامر الله ؟ لايعقل، وهو صلى الله عليه وسلم أول العابدين،وأول المسلمين،وأول الانبياء في الخلق .
(لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) كاد أن يركن إليهم شيئا قليلا، ولم يركن. كاد أن يركن إليهم،لحرصه على هدايتهم ،ولمحبته أن يومنوا بما جاء به صلى الله عليه سلم. وفعل كاد من الأفعال التي لامقتضى لها ،كاد أن يركن إليهم ولم يركن لا لكلامهم ،ولا لموافقتهم،
ولولا حرف امتناع ،فامتنع الركون إليهم لوجود الثتبيت(لولا أن ثبتناك)الثتبت موجدود والركون منفي . ومن قبلها قال تعالى(وان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره)” كاد” فعل ناقص من افعال المقاربة(مثل أوشك)لا يأخذ لا فاعلا ،ولا مفعولا به، بسبب عدم وجود الحدث الذي سيقوم به الفاعل ويقع على المفعول.كاد ان يقتله ولم يقتله، كاد المعلم ان يكون رسولا،ولم يكن.
وقوله تعالى في سورة البقرة(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) في الاعراف (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ )… في سورة القصص(وَلَايَصُدُّنَّكَ عَنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلَاتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ).وفي سورة يونس(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
ايات تنزهه صلى الله عليه وسلم لكي لا يعبد من دون الله،الخطاب موجه اليه والمقصود أمته.فالنبوة تكلفت بتفاصيل الافعال، فالخطابات القرءانية موجه لها(ياايها النبي جاهد الكفار والمنافقين)(ياايها النبي اتق الله ولاتطع الكافرين)(ياايها النبي قل لازواجك)(يا ايها النبي اذا طلقتم النساء)…الى غير ذلك من الايات التي الخطاب فيها موجه للنبي والمقصود أمته،لأن النبي صلى الله عليه وسلم مشرع.
في زمن الصحابة ظهرت النبوة المحمدية،في صورة آدمية ،فكان الحكم لبشريته صلى الله عليه وسلم،لكي لايُعْبَد من دون الله، فكان الصحابة مَحْجوبين بجسمانيته عن نورانيته: (قل إنما أنا بشر مثلكم)،(يأكل الطعام ويمشي في الاسواق).ظهر بصفات العبودية أكثر من صفات الربوبية، لكي لايُفْتَنوا به ولا يُؤَلّهوه،ولكي يَنْشغلوا بالقرآن والسنة النبوية،وتبليغها لنا،ولا ينشغلوا به صلى الله عليه وسلم.
فزمن الصحابة زمن تبليغ القرءان وزمن الشريعة. مع انه صلى الله عليه وسلم، اشار الى وجهته الحقية في كثير من الاحاديث “من راني فقد راى الحق”ومن كانت صفته الحق هل يظهر عليه شرك وباطل ؟. فلم يظهر من نورانيته إلا القليل كما ورد في كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان:[ يَرى من خَلْف كما من أمام،ويَرى بالضّوء كما في الظلام ،ليس له ظل لأنه نور،ويرى بنوره ، يترك أثرا على الصخر ولا يتركه على الرمل، “تنام عيناه ولا ينام قلبه”.: “إني أراكم من وراء ظهري”.].
احاديث تبين ان هيئته ليست تشبهنا“إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين“(الحديث). لأنه نور محض ولا يحط الذباب على جسمه ،فلكي لا يعبد من دون الله، كان يتظاهر بمقتضيات البشرية .ففي حقيقة الامر ارتسم باطنه اللاهوتي على ظاهره الناسوتي،وهذا الباطن اللاهوتي هو الذي رأت الأغنام وسجدت له صلى الله عليه وسلم ،حينها قال سيدنا ابوبكر “نحن احق بالسجود لك من البهائم” .
و اشار بلبل الحضرة ابن الفارض قدس الله سره الى هذه الحقيقة بقوله:
ولطف الأواني في الحقيقة تابع*للطف المعاني والمعاني بها تسمو.
فمن حيث وجهته الخلقية،هو بشر مثلنا ياكل الطعام ويمشي في الاسواق ابن امراة من قريش كانت تاكل القديد ..كل الافعال المنسوبة الى بشريته علينا قبولها. وعلينا أن نعرف أن الحق تعالى مطلق غير مقيد،فيخاطب عبده محمد سول الله بأي صيغة أراد،ولكلامه تعالى باطن،ولباطنه بطون .
اللَّهُمَّ صَـلِّ وَسَـلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَـيِّـدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّـدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ ،أَعْـظَمِ مَخْلُوقٍ أَبْدَعَهُ القَدَرُ.مُـتَرْجِمِ الكَلاَمِ القَدِيـمِ الَّذِي عَنِ اللَّهِ صَدَرَ.فَذَكَرَ بِأَمْرِ اللَّهِ الأَنْبِيَاءَ، وَالإِنْسَ ، وَالجِنَّ،وَالشَّجَرَ. كَذَا النَّحْلَ، وَالعَنْكَبُوتَ، وَالحَجَرَ. وَلِكَيْ لاَ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ﴿إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ﴾فَنَزِّهِ الكَلاَمَ الإِلَهِي عَنْ مُسَايَرةِ المَخْلُوقَاتِ لَهُ وَتَذَكَّرْ.بِأَنَّ﴿ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ ﴾وَلِحَذْفِ (قُـرْءَانِ) يُوسُفَ وَالزُّخْرُفَ تَدَبَّرْ﴿لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
فافهم إن كنت مـمن يفهم ،وإلا فسلم تسلم،وعلل الأفهام ،أشد من علل الأجسام.