مقدمة سأل الإمام الحكيم الترمذي (ت320هـ)،في كتابه (ختم الأولياء): سبعاً وخمسين ومائة (157) سؤالاً.. وهذه الأسئلة ليست الإجابة عنها في متناول عامة الناس ولا خاصتهم. وأي قارئ للأسئلة لا بد وأن يقف أمامها صامتاً،لا لأنها طلاسم،أو لا مفاهيم لها،أو أنها تستعصي عن من لا يقرأ في كتب الفلسفة أو التصوف ــ وإنما لأنها تحتاج إلى من ذاق ووَصل، وإنكشفت له الأمور إنكشافاً لا ضبابية عليه.. ولما كان الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي إماماً في الطريق والسلوك،أدرك بمشربه العرفاني والكشفي ما في أسئلة الإمام الحكيم الترمذي. ولذلك أجاب عنها في كتابه (الفتوحات المكية / [الباب 73])،وفي مصنّفه (الجواب المستقيم فيما سأل عنه الحكيم).. وأجوبة إبن عربي ليست من أجوبة الفلاسفة ولا المتكلمين.. بل جاءت من باب العرفان والهداية التي يفتح الله بها على الربانيين.. لأن من يتعرّف على الأسئلة والأجوبة لا بد أن يكون مؤهّلاً للمَدد والعطاء والفتوحات..
__ السؤال (1): (كَم عدد منازل الأولياء)؟ __
الجواب: منازل الأولياء على نوعين: حسيّة ومعنوية. فمنازلهم الحسية في الآخرة: في الجنان،وإن كانت الجنة مائة درجة.. ومنازلهم الحسية في الدنيا: أحوالهم التي تُنتج لهم خَرق العوائد.. وهي تزيد على مائة منزل وبضعة عشر منزلاً،وكل منزل يتضمّن منازل كثيرة.. وأما منازلهم المعنوية في المعارف: فهي مائتا ألف منزل وثمانية وأربعون ألف منزل (248000) مُحقّقة،لم يَنلها أحد من الأمم قبل هذه الأمة. وهي من خصائص هذه الأمة،ولها أذواق مختلفة،لكل ذوق وصف خاص يعرفه من داقَه.وهذا العدد مُنحَصر في أربعة مقامات:[العلم اللّدُنيّ، وعلم النور،وعلم الجمع والتّفرقة،وعلم الكآبة]. ثمّ بين هذه المقامات: مقامات من جنسها،تنتهي إلى بضع ومائة مقام،كلها منازل للأولياء. ويتفرّع من كل مقام منازل كثيرة معلومة العدد،يطول الكتاب بإيرادها،وإذا ذكرت الأمهات عرف ذَوق صاحبها. فأماالعلم اللدُنيّ: فمُتعلّقه الإلهيات،وما يؤدّي إلى تحصيلها من الرحمة الخاصة. وأما علم النور: فظهر سُلطانه في الملأ الأعلى قبل وجود آدم بآلاف السنين من أيام الربّ. وأما علم الجمع والتفرقة: فهو البحر المحيط الذي اللوح المحفوظ جزء منه،ومنه يَستفيد العقل الأول،وجميع الملأ الأعلى منه يستمدون. وما نالَه أحد من الأمم سوى أولياء هذه الأمة،وتتنوّع تجلياته في صدورهم على ستة آلاف نوع ومئتين (6200). فمن الأولياء من حصّل جميع هذه الأنواع،كأبي يزيد البسطامي وسهل بن عبد الله. ومنهم من حصّل بعضها.. وقد كان للأولياء في سائر الأمم من هذه العلوم نَفثات روح في رَوْع،وما كمُل إلا لهذه الأمة تَشريفاً لهم وعناية بهم لمكانة نبيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وفيه من خفايا العلوم، التي هي بمنزلة الأصول،ثلاثة علوم: علم يتعلّق بالإلهيات،وعلم يتعلّق بالأرواح العلوية،وعلم يتعلّق بالمُولّدات الطبيعية. فما يتعلّق بالإلهيات: على قَدم واحد،لا يتغيّر وإن تغيّرت تعلّقاته. والذي يتعلّق منه بالأرواح العلوية: فيتنوّع من غير إستحالة. والذي يتعلّق بالمولدات الطبيعية: يتنوّع ويستحيل باستحالتها،وهو المُعبّر عنه بأرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً.فالأولياء فيها على ثلاث طبقات: الطبقة الوسطى منهم لهم مائة ألف منزل وثلاثة وعشرون ألف منزل وستمائة منزل وسبعة وثمانون منزلاً (123687) أمّهات،يحتوي كل منزل منها منازل لا يتّسع الوقت لحَصرها.. وما بَقي من الأعداد: فقُسّم بين الطبقتين،وهما اللذان ظَهرا برداء الكبرياء وإزار العظمة. غير أن لهما من إزار العظمة،ممّا يزيد على هذا الذي ذَكرناه،ألف منزل وبضعة وعشرون منزلاً. ولهذه المنازل خصوص وَصف لا يوجد في منازل رداء الكبرياء. وذلك أن رداء الكبرياء مَظهره من الإسم الظاهر،والإزار مظهره من الإسم (الباطن). والظاهر هو الأصل،والباطن نسبة حادثة،ولحُدوثها كانت لها هذه المنازل. فإن الفروع مَحلّ الثّمر،فيوجَد في الفرع ما لا يظهر في الأصل،وهوالثّمرة،وإن كان مَددها من الأصل وهو الإسمالظاهر،لكن الحُكم يختلف.. وأما عدد الأولياء الذين لهم عدد المنازل،فهم: ثلثمائة وستة وخمسون (356) نفساً،وهم الذين على قلب آدم ونوح وإبراهيم وجبريل وميكائيل وإسرافيل.. وهم: [ثلثمائة،وأربعون،وسبعة،وخمسة،وثلاثة،وواحد]،فيكون المجموع ستة وخمسين وثلاثمائة.. وأما طريقتنا،وما يُعطيه الكشف الذي لا مرية فيه،فهو المجموع من الأولياء الذين ذكرنا أعدادهم في أول هذا الباب، ومبلغ ذلك: خمسمائة نفس وتسعة وثمانون نفساً (589)،منهم واحد لا يكون في كل زمان،وهو الختم المحمدي. وما بَقي فهم في كل زمان،لا ينقصون ولا يزيدون.. والمجموع عليه من أهل الطريق،إنهم على ستّ طبقات أمهات: [أقطاب،وأئمة،وأوتاد،وأبدال،ونُقباء،ونُجباء]. وأما الذين زادوا على هؤلاء في الكشف،فطبقات الرجال عندهم،الذين يحصرهم العدد ولا يخلو عنهم زمان: خمس وثلاثون (35) طبقة،لاغير،ومرتبة الختمين، ولكن لا يكونان في كل زمان،فلهذا لم نُلحقهما بالطبقات الثابتة في كل زمان
ذ موعشي