السؤال الثامن: ما هي مرتبة العبد في الوجود؟.
الجواب: مرتبة العبد أنه وجود متردّد بين وجود وعدم لا يخلُص لأحد الطرفين، ولذلك سمّاه أئمة الكلام عندنا مُمكناً. فإن أردتم أيها الجان أن ينكشف لكم الأمر وتزول عنكم الشبهة فاعملوا على جلاء مرآتكم بأكل الحلال والتحلّي بالأخلاق المرضية فإنكم تظفرون بالمعارف التي لا تزلزلها الأدلة،ولا تتعبوا أفكاركم في أن تعرفوا هذا الأمر وأنتم تأكلون الشّبهات وتتحلّون بالرذائل فإنكم لا تظفرون بطائل.
قــلت : مرتبة العبد هي العبدية،والعبديّة أربعة أقسام:
1=عبدية تقتضي المحبوبية الكبرى،والخلافة العظمى،وقاب قوسين أو أدنى،وهي خاصة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،أول العابدين.
2=عبدية خاصة الخواص،وهم الأنبياء والرسل.لذا وردت كلمة “عباد” ثابتة في القرءان كله،ولم تحذف إلا في أيتين في سورة ص(وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ)،وفي سورة الفجر(يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي).
3=عبدية تقتضي الخواص،وهي عبدية المؤمنين(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ)(الفرقان).
4= عبدية تشمل جميع الخلائق المُطيعين وغيرهم(وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (فصلت). والملائكة كذلك هم عباد الرحمن مجبولين على الطاعة(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثا).
وسؤالكم كان ما هي مرتبة العبد في الوجود؟ لا على الصفة الانسانية،أي مرتبة الانسان كإنسان في الوجود ،وكلمة انسان من معانيها الحركة،ناس ينوس،أي تحرك،وبهذا فمعناها يشمل كذلك الجن.وهذه الصفة “الانسان” جمعت جميع الصفات المذمومة،والمراتب الدنيئة.قال تعالى(وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ كَفُورًا)،(وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنَ قَتُورًا)،(إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَخُلِقَ هَلُوعًا)(وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنَ عَجُولًا)،(ولَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ) (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاَ)،(قُتِلَ ٱلْإِنسَٰنُ مَا أَكْفَرَهُ) (إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)(كَلَّآإِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ)(إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ)(بَلْ يُرِيدُ ٱلْإِنسَٰنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ)(إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ)(إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ عَجُولًا)،(إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَكَفُورٌ) وجادل في الخلق والبعث (وَيَقُولُ ٱلْإِنسَٰنَ أَئِذَا مَامِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا)(وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنَ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)
فمراتب هذا الإنسان بين هذه الصفات،واذا لم يراقب نفسه ويحاسبها،ويشهد بوحدانية الله،وينشل نفسه من أوحال التوحيد،فهو ظلوم جهول،كفور،ويجادل في الخلق والبعث ومغرور قال تعالى(ياأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ). فهذه هي مراتبه،أدخل نفسه بنفسه فيها.
قلت مرارا أن وصف النبوة المحمدية “بالإنسان الكامل”غير صائب،فهذه الصفات المذمومة لايمكن أن تشمل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم،فلم يكن لاظلوما، ولاجهولا، ولاكفورا،كما أن الأنبياء الله والرسل كذلك،وأولياء الله الصالحين من هذه الدائرة “وهذا الصفات تقع على الصفة الإنسانية،التي لم يمدحها الحق تعالى قط في القرءان،وبنو ادم متفاوتون في أخلاقهم،ومختلفون في ألسنتهم، وألوانهم، وعقائدهم،ومساكنهم،وبيئتهم ،في عيشهم لهذا وردت كلمة إنسان في القرءان محذوفة الألف ٱلْإِنسَٰنَ ولم تكتب ‘ الانسان” .
وأقل مرتبة منهم من له مرتبة الأنعام(إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً)
ومنهم من له مرتبة الكلاب(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا)
والمومنون لهم مرتبة محمودة في الوجود،وهم على مراتب اعلاها،مرتبة الغوث الختم ،صاحب أعلا مقام في الولاية،الذي بتغزلاته في النبوة المحمدية،وإظهار صفات لها تابعة للتجليات الإلهية،تتقدم العلوم والصناعات .
عن علي بن ابي طالب،قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم،يقول الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا ،يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب (أحمد ابن حنبل، وابن عساكر).
وعلى العموم فالبشر كلهم عندهم مرتبة الخلافة في الأرض بالجعل الإلهي.:
قال تعالى﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَٰٓئِفَ الْأَرْضِ﴾(الانعام)تشير من حيث المعنى الباطني إلى أولياء الله ومقاماتهم لذا أتبعها قوله تعالى﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجـــٰت﴾.فهم مقامات (والسابقون السابقون اؤلئك المقربون).
= ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَٰٓئِفَ فِـــي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾(يونس 14)﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَٰٓئِفَ فِـــي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾(فاطر 39)هذه إشارة إلى الخلافة العامة لكل البشر،أي عمران الأرض،والتناسل والجن لهم كذالك صفة الخلافة في عوالمهم ،فالرسالة المحمدية كذالك خصتهم ،وذكروا في القرءان ….
= أما قوله تعالى﴿خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾فهي تشمل المومن،والكافر وهي خاصة بكل من برزفي علم من العلوم الدنيوية،وبأصحاب الإكتشافات. .. والبحوثات،والعباقرة،والملوك والرؤساء، والقادة…،فهي تشير إلى الخلافة الدنيوية الظاهرة المتميزة لأشخاص أولقوم.فقد نعث بها الحق تعالى قوم عاد﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾..﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾فقوم عاد تميزوا بطول قاماتهم وقوة أجسادهم،ولم تذكرالدرجات مع قوله تعالى﴿خُلَفَاءَ الأَرْضِ﴾.
وقوم ثمود﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾وأي قوة أكبر من نحت الجبال.ف(خلفاء)هي بِجعلٍ من الله،وهي من آلآء الله،وسياق الآية جاء في عَدِّ نعم الله تعالى على الخلائق.
فمن نعمه تعالى على الإنسان أن جعل بعضهم خلفاء الأرض﴿ويجعلكم خلفاء الأرض﴾بالمضارع الذي يفيد التجدد والاستمرار، فتقدمت الصناعات وتطورت التكنولوجية وظهرت الباخرات و الطائرات،… والهواتف الذكية…كل هذا مِنْ فضل الله أن جعل منا خلفاء﴿خُلَفَاءَ الأَرْضِ﴾ …وظهورها كما قلت،تابع للصفات التي يظهرها الغوث في شأن النبوة المحمدية.
والملائكة لهم كذاك خاصية اظهار المقتضيات، قال تعالى (لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايومرون)فمن علماء سر الحرف ،من له التصرف في الملائكة،بل حتى العلويين من الملائكة،ويمتثلون ما يأمرهم به.
قال صلى الله عليه وسلم :ما طلعت شمسٌ قط إلابُعِثَ بجنبتَيْها مَلَكَانِ يُناديانِ،اللهم أعطِ منفقًا خلفًا وأعطِ ممسكًا مالًا تلفًا. وهذا اظهار للمقتضى،وكذا استغفارهم لأهل الأرض يظهر مقتضى اسمه تعالى الغافر.
ومن الجن من يدرك المقامات الكبرى من الولاية(وما كان عطاء ربك محظورا) فالمومنون منهم ،عباد الله،لهم ما للبشر من الامتيازات. ومن الجن من ترك ثناء حسنا،وذكرا طيبا بين الإنس الجن،كالصحابي الشيخ شمهروش رحمه الله تعالى. فجدوا واجتهدوا حتى تصلوا وتشاهدوا وتنالوا مراتب اهل الله.
وعلى العموم وفي حقيقة الأمر ،فمرتبة الإنسان سواء كان مطيعا أولا،هو إظهار مقتضيات الأسماء الإلهية في الوجود.قال تعالى (إن ربهم بهم)فلولا المرزوق ما ظهر مقتضى الرزاق،ولولا المذنب ما ظهر مقتضى الغفار، ولولا وجود المربوب ما ظهر مقتضى الرب وقس على هذا باقي الأسماء الإلهية…
يقول ابن العربي“فأظهرنا وظهر بنا”(ظهر بنا من حيث تجليات أسمائه، لا من حيث ذاته)
فلا تعطيل لدائرة من الدوائر الكونية قال صلى الله عليه لو لم تذنبوا لذهب الله بكم،وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد نبي الله وعلى الزهراء بنت رسول الله
الصورة المرافقة للموضوع ،هي صورة ضريح الشيخ الجني الصحابي شمهروش ، بقرية امليل تبعد عن مدينة مراكش بحوالي 70 كلم ،والضريح بمنطقة جبلية تبعد بسبعة كلم عن قرية امليل ،يصل اليها عن طريق البغال.
ونرحب بكل مشاركة في شرح باقي الاسئلة او المشاركة بموضوع صوفي