السؤال التاسع عشر: أيّما أتمّ في حقّ المحبّ الصادق: وصال محبوبه له أو هجرانه؟.
محبة الله:
قال تعالى(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)و قال تعالى(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )وقال تعالى(فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
قال صلى الله عليه وسلم : ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه الا لله، وأن يكره ان يعود في الكفر كما يكره ان يقدف في النار” ..
فحب الله ورسوله عند المومن فوق كل شيء،محبة صادقة،احب اليه من نفسه التي بين جنبيه،وان يكون مواليا للمؤمنين ومحباً لهم ومتواضعا معهم… مبغضاً للكافرين وغير موال لهم،وأن يكون مستقيماً على فعل الطاعات واجتناب المنهيات،فالله تعالى يحب التوابين،ويحب المتطهرين،ويحب المحسنين، ويحب المتقين،ويحب الصابرين ،ويحب المتوكلين،ويحب المقسطين،ويحب المقاتلين في سبيله صفا ،فمن توفرت فيه هذه الصفات توفرت لديه محبة الله وسوله صلى الله عليه وسلم…
والله تعالى لايحب الظالمين، ولايحب المعتدين،ولايحب المسرفين،ولايحب المفسدين،و لايحب الخائنين،ولايحب المستكبرين.
الوصال في اللغة هو الاجتماع بالحبيب ومبادلته الحب.
الهجر: الهجر،عبارة عن مفارقة الإنسان غيره،وقد يكون ذلك بالبدن كما فى قوله تعالى (و اهجروهن في المضاجع)وقد يكون باللسان أو بالقلب، كما في قوله تعالى( إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً)أما قوله عز و جل(واهجرهم هجراً جميلاً) فهو محتمل للهجر بالبدن و القلب واللسان (كما قال المفسرون).
ولامجانسة ولامناسبة بين الخالق والخلائق،فكيف يكون الوصال ؟ وكيف يكون الهجر؟ أبالبدن؟ أم بالقلب؟ أم باللسان ؟
وكلنا يعلم أن الحق سبحانه وتعالى،متصف بالغنى المطلق، وبالوجود الواجب المحقق فلا نسبة للخالق مع الخلائق،فالذات الإلهية،لا تدرك بمفهوم عبارة،ولا بمعلوم إشارة.لامعبودة ولا مشهودة،والله أكبر أن يعرفه غيره،فالعلم بالله جهل، والعجز عن الإدراك إدراك.
أما الخلائق فتتصف بالضعف الذاتي،والافتقار الصفاتي﴿وَخُلِقَ ٱلإِنْسَٰنُ ضَعِيفاً﴾فلايصلون إلى كمال معرفته،وتمام عبادته وصادق محبته،لانعدام المناسبة والمجانسة.فأرسل لهم بشرا من جنسهم،له وجهة حقية موالية للألوهية،ووجهة خلقية،بشرية، فكان واسطة بين حضرتين يتعذر تواصلهما: حضرة الربوبية، وحضرة المربوبين،فأقام الحق تعالى مبايعته مقام مبايعة رسوله﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَايُبَايِعُونَ ٱللَّهَ﴾وأقام محبته مقام محبته﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُـونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ﴾وأقام طاعته مقام طاعته﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾وقرن معصيته بمعصيته رسوله﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾وقرن الحق تعالى براءته ببراءته،والاستجابة له،بالاستجابة لرسوله،ورضا الله برضى رسوله.
فبلغ هذا العبد النوراني الحقاني الخلائق، وعد ووعيد الخالق،فله النيابة عن الحق في الظهور”من رآني فقد رآى الحق“،وفي الكلام ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾.﴿فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ﴾ فأناط الله تعالى الوجود بالحقيقة المحمدية ،فنسبة الخلائق مع هذا النور الأزلي،الذي بعثه الله خليفة على العوالم الملكية والملكوتية، مراقبا لكل الخبايا والخفايا الوجودية.
هذا البرزخ النوراني،الملثم ببراقع العبدية،والمتستر بالبشرية،الناطق بالوحي أحدي الذات،واحدي الصفات،الرحمة المهداة،ومنة الله على المخلوقات،فاطمأن الكون لمراقبته بمخلوق مثله،فصار على نهج قائده ومرشده، بلا تفريط ولا إفراط،وحَمد الله تعالى على عظيم لطفه،وواسع رحمته.
وخلاصة الجواب لنترك الامر بيد الله، انت عبد،فقم بحق العبودية ولا تتدخل فيما يخص الربوبية ،الخير فيما اختاره الله،لا اعتراض.
حصل المقال على : 26 مشاهدة