تعددت الطرق في التصوف بتعدد شيوخه، و اصبحت كل طريقة منسوبة الى شيخها و
القائم على امرها ـ و صحبة المشايخ و سلوك الطريق على ايديهم اقتضـى وجود
امكنة خاصة بهم ـ و هذه الاماكن هي ما اصطلح على تسميتها عندنا بالمغرب :
زوايا
و مع ان الزوايا تأسست اول الامر بقصد تلقن المريدين، و القيام
بالشعائر الصوفية، فانها لم تلبث ان تحولت الى مدارس دينية، لم تتقتصر على
تلقين الاذكار ، و التفرغ للخلوة و العبادة ، بل تعدت ذلك الى تلقين العلوم
الشرعية، و تدريس مختلف العلوم الاسلامية ـ و اقيمت حولها المدارس و
الابنية لسكنى الطلبة ـ فاصبحت الزاوية تقصد لاخذ التصوف و العلم معا ـ كما
اصبحت مقصودة للضيافة، و ايواء الغرباء و المسافرين، حتى قيل في تعريفها
انها مدرسة دينية ، و دار مجانية للضيافة ، و لا زال هذا المعنى مفهوما
عندنا بالمغرب
و من اهم الزوايا
1- الزاوية الدلائية التي تاسست
في الثلث الاخير من القرن العاشر الهجري،بناحية تادلا ـ و اول من ظهر على
مسرح التصوف منهم ، و اسس زاويتهم هو الشيخ ابو بكر بن محمد الدلائي،
باشارة من شيخه ابي عمر القسطلي دفين روض العروس بمراكش، تلميذ عبد الكريم
الفلاح ، تلميذ سيدي عبد العزيز التباع، تلميذ الشيخ الشهير سيدي محمد بن
سليمان الجزولي صاحب دلائل الخيرات الشاذلي ـ و بلغ شان هذه الزاوية في
الميدان العلمي ، حتى نافست القرويين، او زاد ت عليها ـ
و بعد الزاوية الدلائية ، في الاهمية تاتي زوايا اخرى كثيرة
2- الزاوية الناصرية بتامكروت بواحة درعة جنوب المغرب، على مقربة من مدينة زاكورة ـ و قد اسس هذه الزاوية اولا الشيخ عمر الانصاري احد اعيان درعة و صلحائها، ثم استقر بها بعده الشيخ عبد الله بن حسين الرقي الشاذلي، فقصده بها الشيخ محمد بن ناصر مؤسس الطريقة الناصرية للاخذ عنه ـ و لما مات الشيخ عبد الله الرقي الشاذلي، تصدر سيدي محمد بن ناصر للقيام بالزاويةـ و اقبل على على تدريس العلم بها للـطلبة، و الاخذ بيد المريدين ، و لما صار صيته شرقا و غربا ، اخذ عنه كثير من المشارقة ـ
3- الزاوية الفاسية التي اسسها الشيخ ابو المحاسن سيدي يوسف الفاسي احد رجال سلسلة الطريقة الدرقاوية، و هو تلميذ سيدي عبد الرحمان المجذوب ـ و قد تخرج من هذه الزاوية على يد ابنائها علماء اجلة، و رجال كبارـ ـ ـ و كان لاهل فاس من المجد العلمي ، و اليد الطولى في التصوف و علومه، ما هو معروف في العالم كله ـ
4- الزاوية العياشية المعروفة بزاوية سيدي حمزة، بسفح جبل العياشي، بناحية ميدلت ـ و اول من اسسها هو الـشيخ محمد بن ابي بكرالعياشي ، باشارة من شيخه محمد بن ابي بكر الدلائي ، و آل امرها الى ابنه ابي سالم المتقدم، ثم حمزه ابنه ، و باسمه عرفت ـ وقد قامت بها كذلك حركة علمية، و اسست بها خزانة، لا ،تزال موجودة الى الآن ، وتعد ذات قيمة كبرى ـ
5- الزاوية الدرقاوية ، تاسست مع مولاي العربي الدرقاوي ، دفين بني زروال بفاس و كان كالشيخ عبد الله الغزواني في كثرة اتباعه و ما تفرع عن طريقته من عدة طرق، انتشرت في البلاد الاسلامية ـ و لم يمت مولاي العربي حتى خلف نحو الاربعين الفا من التلاميذ، كلهم مؤهلون للدلالة على الله عز و جل ـ
6- الزاوية التيجانية ، و ما تفرع عنها من زوايا في جل العالم الاسلامي ، و خاصة في فريقيا من المغرب الى مصر ـ
7- الزاوية الوزانية مع مولاي عبد الله الشريف ، و كان بها خزانه علمية مهمة ـ
و مثلها
8- الزاوية الريسونية بتازروت، و قد اسست على يد سيدي محمد بن علي
الرسوني، تلميذ الشيخ سيدي عبد الله امغار، وقد تخرج منها علماء كبار
9-الزاوية السملالية ،اسسها الشيخ سيدي احمد بن موسى تلميذ سيدي عبد العزيز التباع ، امتد نفوذها الى الى كل البلاد الصحراوية و بلاد السودان
وكما كان نشاط هذه الزوايا قائما على اشده، في داخل المغرب، كان لاخواتها الممتدة في طول البلاد الاسلامية و عرضها ،نشاطها كذلك ـ و كان هناك تواصل و تزاور و تبادل بين هذه الزوايا المختلفة ، مما جعل حركة علمية مباركة، و نهضة صوفية عظيمة، تشمل العالم الاسلامي كله تقريباـ
و لا زالت الزوايا في المغرب الى يومنا هذا، تحضى بنفس القيمة الصوفية و العلمية العالية ، و انشرت فروعها في كل مناطق البلاد، حواضرها و بواديها ، حتى بالمناطق المنعزلة النائية و سط الصحراء و على اعالي الجبال ، وقد تجد في المدينة الواحدة اكثر من مقام لزاوية واحدة ، ناهيك عن اذا تعددت الزوايا
فهذا ينبوع المغرب الاقصى لا زال فيضه سيالا رقراقا لم ينضب، فهل من عطشى؟؟؟
المرجع: التصوف و اثره في نشر العلم و المعرفة للحسن بن الصديق