ما اللمسة البيانية في إختيار كلمة الأخسرين في قوله تعالى في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً)؟وما الفرق بين الخاسرون والأخسرون؟
ورد في القرآن الكريم استخدام كلمتي الخاسرون كما جاء في سورة النحل (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ {109}) والأخسرون كما جاء في سورة هود (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ {22})، وفي سورة النمل (أوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ {5}) وآية سورة الكهف.
وفي اللغة الأخسر هو أكثر خسراناً من الخاسر. ندرس أولاً ما السبب في إختيار كلمة الأخسرون في سورة هود؟ إذا لاحظنا سياق الآيات في سورة هود نجد أنها تتحدث عن الذين صدوا عن سبيل الله، وصدّوا غيرهم أيضاً،و السياق في سورة النحل فهو فيمن صدّ عن سبيل الله وحده ،ولم يصُدّ أحداً غيره ،فمن المؤكّد إذن أن الذي يصدّ نفسه وغيره عن سبيل الله أخسر ،من الذي صدّ نفسه عن سبيل الله لوحده فقط (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {107 .وإذا قارنّا بين آية سورة هود وآية سورة النمل (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ {4}أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ {5})نجد أنه في سورة هود جاء التوكيد بـ (لا جرم)وهي عند النحاة تعني القسم أو بمعنى حقاً أو حقَّ،وكلها تدل على التوكيد،وإذا لاحظنا سياق الآيات في سورة هود الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ {18} الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ {19} أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ {20} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {21}).
أما في سورة النمل فسياق الآيات يدل على أنهم لا يؤمنون بالآخرة فقط ،أما في سورة هود فقد زاد على ذلك أنهم يصدون عن سبيل الله وأنهم يفترون على الله الكذب وفيها خمسة أشياء إضافية عن آية سورة النمل لذا كان ضرورياً أن يؤتى بالتوكيد في سورة هود باستخدام (لا جرم) والتوكيد بـ (إنهم)ولم يأتي التوكيد في سورة النمل.
ونعود إلى آية سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً {103}الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً {104}).
نلاحظ استخدام كلمة (ضلّ) مع كلمة (سعيهم) ولم يقل ضل عملهم لأن السعي هو العدو أو المشي الشديد دون العدو،وقال(في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا)ولم يقل يعمل صالحاً،والإحسان هو الإتقان في العمل وليس العمل العادي.
في اللغة لدينا: فعل وعمل وصنع.أما الفعل فقد تقال للجماد(نقول هذا فعل الرياح) وقد يكون للعاقل وغيره،والعمل ليس بالضرورة صنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع وأغلب ما يكون للعاقل ،وقلّما يُستعمل للحيوان،أما الصنع فهو أدقّ وهو من الصَّنعة وهو دقة العمل واتقان العمل كما في قوله تعالى(صُنع الله الذي أتقن كل شيء) والصنع لا تستعمل إلا للعاقل الذي يقصد العمل بإتقان وإحسان.
إذن آية سورة الكهف جاء فيها سعي وإحسان وصُنع ومُضِلّ فكيف لا يكون الأخسر؟لذا استوجب أن يؤتى بكلمة الأخسرين أعمالاً ومن الملاحظ أنه في القرآن كله لم يُنسب جهة الخُسران للعمل إلا في هذه الآية.
ففي القرآن يستعمل كلمة الأخسرين ولم ترد الأخسرين أعمالاً إلا في هذه الآية لأنها الآية الوحيدة التي وقعت في سياق الأعمال من أولها إلى آخرها(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
والأخسرين إسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران،يوجد خاسرون كُثُر سواء الكفرة والفَسَقة والظّلَمة بعضهم خاسر وبعضهم أخسر من بعض أي التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم.
منقول