بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلي الله وسلم علي سيدنا محمد وعلي أله وصحبه. الحلول الاتحاد الوحدة ارتبطت هذه الكلمات في أذهان الكثير من الناس بأقوال بعض رجال التصوف وكل من أراد أن يتهم القوم أو أن يكفرهم إلا وجرت هذه الآلفاظ على لسانه وفي كتاباته دون الإطلاع علي مصطلاحاتهم ودون سلوك طريقتهم. كما أن تجربة الصوفي هي تجربة روحية صادرة عن الكشف ومن عالم الذوق والمعنى وألفاظ اللغة موضوعة أصلا للمحسوسات ومسبوكة في قوالب العقل ولذلك كانت كل كلمة عندهم رمزا استخدم لا لغرضه المألوف. لأنه لا يجد الألفاظ الملائمة للغرض ومن هنا بدا كلامهم غريبا وقد قالوا كلما إتسعت الرؤيا ضاقت العبارة. يقول الغزالي في (المنقد من الضلال ص 50): ومن أول الطريق تبتدئ المكاشفات والمشاهدات ثم يترقى في الحال إلى درجات يضيق معها نطق النطق ولا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطإ صريح لا يمكن الإحتراز عنه ،وعلى الجملة ينتهي الأمر الى قرب يكاد يتخيل طائفة منه الحلول وطائفة الإتحاد، وطائفة الوصول وكل ذلك خطأ (انتهى) . ويقول ابن خلدون في مقدمته ص 470 ( وقصرت مدارك من لم يشاركهم في طريقهم عن فهم أذواقهم) .
الــــحــلــــول
الحلول في اللغة يعني النزول فيقال حل بالمكان يحل حلولا إذا نزل فيه ( لسان العرب) . أما مصطلح الحلول فهو ما اعتقده البدائيون من حلول قوة خير أو شر في الصور الآدمية والحيوانية ومن هنا توجهوا إليها بالعبادة بل اعتقدوا أنها آلهة فعلية. فالحلول هو تجسيد الألوهية في الكائن الحي وإنتقالها بعد الموت إلى كائن أخر وقد ظهرت هذه الأنماط من عقيدة الحلول في الديانات بالهند والصين وفارس . أما المسلمون فقد عرفوا ثلاثة أصناف من الحلولين :
1= قول النصارى بحلول الله في عيسى بن مريم .
2= الغلاة من الشيعة الذين يعتقدون حلول الحق تعالي في الأئمة وقد ظهر هذا الاعتقاد مبكرا في خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
3= ماذهب إليه بعد الباطنية (الذين نسبوا خطأ إلي التصوف أنظر تلبيس ابليس) وهم الحلولية قالوا إن الله تعالى إصطفى أجساما حل فيها بمعاني الربوبية .
و إتهم بالحلول الصوفي الحسين ابن منصور الحلاج رحمه الله(ت 309 وهي من المسلمات التي يأخذ بها معظم مؤرخي التصوف ودارسيه بما فيهم المستشرقين لهذا لم يذكره القشيري في رسالته وابن عربي يقول عنه(الحلاج لايصح للاحتجاج) .
قال الحلاج:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا == نحن روحان حللنا جسدا
لفظ الحلاج بهذه الأبيات في حالة الوجد والوَلَهِ الذي استولى على شعوره وساق نفسه الي سيف القتل ولم يقصد بها ما فهمه فقهاء عصره انما ضاقت عليه العبارة فقد قال في إحدى أقواله من ظن أن الألوهية تمتزج بالبشرية فقد كفر(أخبار الحلاج ص 47 ) وقال في حال الصحو إن من يشهد عليه بالكفر لشطحاته في حال المحو أحب إلي إليه ممن يقرون له بالولاية لأن الذين يشهدون لي بالولاية مدفوعين بحسن الظن بي والذين يشهدون علي بالكفر متعصبين لدينهم ومن تعصب لدينه احب الى الله ممن احسن الظن بأحد( اخبار الحلاج 11_15). كما يقول معرفة الله هي توحيده وتوحيده تميزه عن خلقه . وكلمة حلول وردت في شعر الحلاج لم ترد اطلاقا في عباراته الواعية يقول الحلاج في احد ابياته :
عجبت منك ومني= يامنية المتمني
ادنيتني منك حتي=ظننت انك أني
وغبت بالوجد حتي = افنيتي بك عني
هذا يبين أن الحلول عند الحلاج مجرد شعور نفسي يتم في حال الفناء وكلام العشاق في حال السكر يطوى ولايروى (سئل مجنون ليلى عن اسمه فقال ليلى) وفي الحِكم العطائية :” يا عجبا كيف يظهر الوجود في العدم أو كيف يثبت الحديث مع من له وصف القدم ” أي لم يبق للسوى وجود حتى يصح الحلول أو الإتحاد.
قال ابن عربي في الفتوحات المكية(ف ح) ج1/ ص36 : “تعالى الله أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون بعده أو يكون قبلها بل يقال كان الله ولا شيء معه فإن القبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه…”
وفي 1ج/ ص41:”فلا يصح أن يجتمع الخلق والحق في وجه أبدا من حيث الذات”. ويقول في نفس السياق:”أنى للمقيد بمعرفة المطلق وذاته وما تقتضيه وكيف يمكن أن يصل الممكن إلى المعرفة الواجب بالذات…” وفي ج1/ص93 :” لا مناسبة بين الله تعالى وبين خلقه البثة وأي نسبة بين المحدث والقديم ؟ أم كيف يشبه من لا يقبل المثل،من يقبل المثل؟هذا محال…”
وفي ج1/ ص173:”فالرب رب إلى مالا نهاية والعبد عبد إلى مالا نهاية.” قال ابو العباس ابن العريف في محاسن المجالس:”ليس بينه وبين العباد نسبة الا العناية ولاسبب إلا الحكم ولا وقت غير الأ زل وما بقي فعمى وتلبيس ” .
الاتــــحــــاد
في معناه الشائع هو امتزاج شيئن او أ كثر في كل متصل الأجزاء.
والإتحاد في الجنس يسمى مجانسة ،وفي الكيف مشابهة ،وفي الكم مساواة وفي الأطراف مطابقة وفي الإضافة مناسبة وفي جميع المعاني موازاة .
وفي المصطلح الصوفي هو شهود الوجود الحق الواحد المطلق الذي الكل موجود به فيتحد الكل به في هذا المشهد من حيث كل شئ موجودا به معدوما بنفسه لامن حيث أن له وجودا خاصا إتحد به ( الجرجاني التعريفات ص6).
يقول ابن عربي في رسائله طبعة1997الصفحة 409 .: ….وقد يكون الإتحاد عندنا عبارة عن حصول العبد في مقام الإنفعال عنه بهمته وتوجه إرادته لا مباشرة ولا معالجة فبظهوره بصفة هي للحق تعالي حقيقة تسمى إتحادا لظهور حق في صورة عبد وظهور عبد في صورة حق( يشير الي الحديث ما زال عبدي يتقرب الي بالنوافل….)وقد يطلق الاتحاد في طريقتنا لتداخل الحق في الأوصاف والخلق . فوصفنا بأوصاف الكمال من الحياة والعلم والقدرة والارادة وجميع الأسماء كلها وهي له ،ووصف نفسه بأوصاف ما هو لنا من الصورة والعين واليد والرجل والدراع والضحك والنسيان والتعجب والتبشبش وأمثال ذلك مما هو لنا فلما ظهر تداخل هذه الأوصاف بيننا وبينه سمينا ذلك اتحادا.
يقول الجيلي إن إعتقد الناظر إلي مؤلفاتي بأني أقول بذلك (أي الحلول أو الاتحاد) فليعلم ذلك الناظر أن ذلك من حيث مفهومه لا من حيث ما أ ريده ( الانسان الكامل ج 1 ص4 )
ويقول في قصيدته النادرات : 310أبيات :
تنزه ربنا عن حلول بقدسه ==== وحاشاه بالإ تحاد تجامع
ويقول في موضع اخر:
وغص في بحار الإتحاد منزها ====عن المزج بالأغيار اذ انت شاجع
فلاتك مع إبليس في شبه سيرة ====ودع قيده العقلي فالعقل رادع
يعني هنا بالاتحاد اثبات شهود الصانع بعين التحقيق وعدم النظر للمظاهر بعين العقل كما فعل إبليس الذي نظر الي الصنعة وعدم المزج بالأغيار أي أن ذات الله لاشبيه لها .
وحــــــدة الــــــوجـــــود
في المعنى الشائع نجد الوحدة في مقابل الكثرة لآنها كون الشئ بحيث لا ينقسم والكثرة بحيث ينقسم والوحدة في اللغة من التوحيد ورجل متوحد أي لايخالط الناس وتوحد برأيه تفرد به( لسان العرب)
ووحدة الوجود هو مذهب الذين يوحدون الله والعالم ويزعمون أن الله هو العالم أو القول بأن العالم هو الموجود الحق وليس الله سوى مجموع الاشياء الموجودة في العالم وهكذا تغلب فكرة المادة علي هذه الفلسفات إذ ترد كل شئ الي المادة التي هي لد يهم حية بذاتها أو بمعنى أخر أن الله هو المرئي بالعين في الحقائق الكونية أي أن كل المخلوقات جزء من الله .
وفد أعتبر المستشرق نيكلسون القول بوحدة الوجود من خصائص التصوف الإسلامى إذ يقول في كتابه فلسفة التصوف الإسلامي ص84 في جق الغزالي : “ويمكن القول بأن نسبة الغزالي إلى الإسلام أقوى من نسبته إلى التصوف بالمعنى الدقيق لأنه ليس من أصحاب وحدة الوجود”.
أما وحدة الوجود في المفهوم الصوفي فهي في الحقيقة وحدة شهود أي لا مشهود إلا الله تعالى قال الله تعالى ” فأينما تولوا فتم وجه الله “وقال “هو الأول والآخر والظاهر والباطن” وقال تعالى”والله خلقكم وما تعملون وقال تعالى”أ رأيتم ما تحرثون أ أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون.”
وقال تعالى: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم”. وقال تعالى: “وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى” قال تعالى ” وهو معكم أينما كنتم.” قال تعالى :” ونحن أقرب إليه من حبل الوريد.” قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أصدق بيت قالته العرب:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل= وكل نعيم لا محالة زائل
ومن درس كتب ابن عربي رحمه الله لايجد بثاتا مصطلح وحدة الوجود في كلامه إنما نسبها إليه عدوه اللذوذ : ابن تيمية الحراني.وأما الوحدة عند ابن عربي فهي وحدة شهود ويشبهها في (ف ح) ج 3/ص396 بقوله: “… وأصحاب هذا المقام (أي وحدة الشهود) من يجعلوا أمر الخلق من الحق كالقمر مع الشمس في النور الذي يظهر في القمر وليس في القمر نور من حيث ذاته ولا الشمس فيه ولا نورها،ولكن البصر كذلك يدركه فالنور الذي في القمر ليس غير الشمس .”
في ج3/ ص494: يضرب مثلا للوحدة عنده بظهور الواحد في مراتب العدد فيقول:” … قال تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم) أي ليس لكم وجود معين دون الواحد فبالواحد تظهر أعيان الأعداد فهو مُظهرها وإذا ضربت الواحد في نفسه أو في أي عدد اخر لم يظهر في الخارج بعد الضرب إلى نفسه .
ويقول في ج2/ص614: “إن الحق سبحانه وتعالى” يتعالى عن الحلول في الأجسام.”
وفي ج3/ ص37 في الباب التاسع والثلاثة مائة وفي معرض الكلام عن بعض العلوم:” … وعلم حضرة الجمع بين العبد والرب ومن هذه الحضرة ظهر القائلون بالاتحاد والحلول فإنها حضرة علم تزل فيها الأقدام…”
وفي ج 3/ ص224: “… فالرب رب والعبد عبد فلا تغالط ولا تخالط.”
وفي ج3/ ص378:… فلا يجتمع الحق والخلق أبدا في وجه من الوجوه فالعبد عبد والرب رب.”
وفي ج 4/ص2: ” فإن الله لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.”
وفي ج4/ ص372 : ” ما قال بالإتحاد إلا أهل الإلحاد.”
وفي ج4/ ص379:” ومن قال بالحلول فهو معلول وهو مرض لا دواء لدائه ولا طبيب يسعى في شفائه.”
الفــــــلــــســــفــــة
قد رأي البعض ان التصوف فلسفة والقوم من بينهم أمييون ربما لم يعرفوا حتى كلمة فلسفة إذ الفلسفة ناتجة عن عقل مفكر وحقائق التصوف من ثمرات الذكر وصدق التوجه الي الله .فالشيخ سيدي عبد العزيز الدباغ دفين فاس كان أميا ( انظر كتاب الابريز.)
يقول ابن عربي في الفتوحات ج1 ص32 :ولايحجبك أيها الناظر في هذا الصنف من العلم الذي هو العلم النبوي الموروث منهم صلوات الله عليهم اذا وقفت على مسألة من مسائلهم قد ذكرها فيلسوف أو متكلم أو صاحب نظر،في أي علم كان . فتقول في هذا القائل الذي هو الصوفي المحقق أنه فيلسوف….فإن الفيلسوف قد قال بها ولا دين له.
ف ح جزء3 ص402…….) واعلم انه ما تقدم لنبي قط قبل نبوته نظر عقلي في العلم بالله ولا ينبغي له ذلك وكذلك كل ولي مصطفى .”…. أي لاعلاقة للعارف بالفلسفة بتاتا وبهذا فما يسمى بالتصوف الفلسفي لا وجود له.
ويقول ج2/ ص523:” الفيلسوف معناه محب الحكمة لأن سوفيا باللسان اليوناني هي الحكمة وقيل هي المحبة ،فالفلسفة معناه حب الحكمة وكل عاقل يحب الحكمة غير أن آهل الفكر خطأهم في الإلهيات أكثر من إصابتهم سواء كان فيلسوفا أو معتزليا أو أشعريا أو كان من أصناف أهل النظر فما ذُمت الفلسفة لمجرد هذا الاسم إنما ذموا لما أخطأوا فيه من هذا العلم الإلهي مما يعارض ما جاءت به الرسل…”. الفيلسوف يحاول أن يكتشف الحقائق خارج ذاته والصوفي يحاول أن يكتشف حقيقة نفسه (من عرف نفسه عرف ربه ). الفلاسفة أصحاب وحدة الوجود ينكرون علم الله بالجزئيات وينكرون الحشر الجسماني.
الفلاسفة يعتمدون على العقل والصوفية على الذوق. الفلاسفة لا يرون في الكون إلا المادة والصوفية أصحاب وحدة الشهود لا يرون فيه إلا التجليات الإلهية. المعرفة عند الصوفية فضل من الله وهبة وأما المتكلمون والفلاسفة فيعتبرونها مكتسبة بالعقل وقد أشار ذو النون المصري إلى ذلك حين سئل بما عرفت ربك قال” عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي”, وأحب أن انبه الى أن التصوف لا علاقة له بالتشيع ولا وجود لصوفي شيعى بتاتا
ولنختم هذا الموضوع بقول الشعراني رحمه الله تعالى عن الصوفية وعن ابن عربي خاصة : ” ولعمري إن عباد الأوثان لم يجرءوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله تعالى بل قالوا” ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى” فكيف يُظن بأولياء الله تعالى أن يدعوا الاتحاد بالحق سبحانه وتعالى هذا محال في حقهم رضوا ن الله عليهم
النسخة المعتمدة في الفتوحات المكية نسخة دار الفكر من4 أجزاء
محمد بن المبارك سنة 2002
Haut du formulaire
Bas du formulaire