الاسس السبع للمعرفة (الباب 177 من الفتوحات) الأول “علم الحقائق”،وهو العلم بالأسماء الإلهية.
الثاني“العلم بتجلّي الحق في الأشياء”.
الثالث “العلم بخطاب الحق عبادَه المُكَلّفين بألسنة الشرائع”.
الرابع “علم الكمال والنّقص في الوجود”.
الخامس “علم الإنسان نفسَه من جهة حقائقه”.
السادس “علم الخيال”،وعالَمِه المُتّصل والمُنفصل.
السابع “علم الأدوية والعِلَل”.
العلم الثاني: علم التجلّي
العلم بتجلّي الحق في الأشياء،تجلّي الإلهي دائم لا حجاب عليه،ولكن لا يُعرَف أنه هو.وذلك أن الله لما خلق العالَم أسمعه كلامه في حال عدمه،وهو قوله (كن)،وكان مشهوداً له سبحانه ولم يكن الحق مشهوداً له. وكان على أعين الممكنات حجاب العدم ، لم يكن غيره،فلا تُدرِك الموجود وهي معدومة. كالنور يُنفّر الظلمة،فإنه لا بقاء للظلمة مع وجود النور،كذلك العدم والوجود.فلما أمرها بالتكوين، لإمكانها وإستعدادقبولها،سارعت لترى ما ثَمّ: لأن في قوتها الرؤية،كما في قوتها السمع،من حيث الثبوت لا من حيث الوجود. فعندما وُجد الممكن إنصبغ بالنور فزالَ العدم، وفتح عينيه فرأى الوجودَ هو الخير المحض،فلم يعلم ما هو ولا عَلم أنه الذي أمره بالتكوين. ف”أفاده التجلّي علماً بما رآه”،لا علماً بأنه هو الذي أعطاه الوجود. فلما إنصبغ بالنور،إلْتَفت على اليسار فرأى “العدم”فتحقّقه،فإذا هو ينبعث منه كالظلّ المُنبعث من الشخص إذا قابله النور. فقال: ما هذا؟ فقال له النور من الجانب الأيمن: هذا هو أنت نورُك الذي أنت عليه إنما هو من حيث ما يُواجهني من ذاتك،ذلك لتعلم أنك لست أنا، فأنا النور بلا ظلّ،وأنت النور الممتزج لإمكانك.فأنت بين الوجود والعدم وأنت بين الخير والشرّ. فإن أعرضت عن ظلّك فقد أعرضت عن إمكانك،وإذا أعرضت عن إمكانك جَهلتني ولم تعرفني،فإنه لا دليل لك على أنّي إلهك وربك وموجِدك إلا إمكانك وهو “شُهود ظِلّك”. فلا تنظُر إليّ نَظراً يُفنيك عن ظلّك،فتدّعي أنك أنا،فتقع في الجهل. ولا تنظُر إلى ظلّك نَظراً يُفنيك عنّي،فإنه يورثك الصّمَم،فتجهل ما خلقتك له.. وقد قلت لك في معرض الإمتنان: (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين) أي: بيّنا له الطريقين: طريق النور والظلّ،(إما شاكراً وإما كفوراً) فإن العدم المُحال ظُلمة،وعدم المُمكن ظِلّ لا ظُلمة،ولهذافي الظلّ راحة الوجود. واعلم أن “التجلّي الأول” الذي حصل للمُمكن، عندماإتّصف بالوجود وإنصبغ بالنور،هو “التجلّي للأرواح النورية” التي ليست لها هذه الهياكل المظلمة،ولكن لها “ظِلّ إمكانها” الذي لا يبرح فيها.. وأما “التجلّي للأشياء” فهو تجلّي يُفني أحوالاً ويُعطي أحوالاً في المُتجلّى له. ومن هذا التجلي توجد “الأعراض والأحوال” في كل ما سوى الله. ثمّ له تجلّي في مجموع الأسماء،فيعطي هذا التجلي في العالَم “المقادير والأوزان والأمكنة والأزمان والشرائع”،وما يَليق بعالَم الأجسام،وعالم الأرواح،والحروف اللفظية والرقمية،وعالم الخيال. ثمّ له تعالى تجلّ آخر في أسماء الإضافة خاصة،ك”الخالق”وما أشبهه من الأسماء،فيُظهر في العالَم “التوالُد والإنفعالات والإستحالات والأنساب”. وهذه كلّها حُجُب،على أعيان الذّوات الحاملات لهذه الحُجب،عن إدراك ذلك التجلي الذي لهذه الحُجب الموجِد أعيانها في أعيان الذوات. وبهذا القدر تُنسب الأفعال للأسباب،ولولاها لكان الكشف فلا يُجهَل. ولكن كما قال تعالى (ما يُبدّل القول لديّ)،ووُقوع خلاف المعلوم مُحال. فبالتجلّي تغيّر الحال على الأعيان الثابتة: من الثبوت إلى الوجود،وبه ظهر الإنتقال من حال إلى حال في الموجودات،وهو خشوع تحت سُلطان التجلّي. فله النقيضان: يمحو ويُثبِت،ويوجِد ويُعدِم.. قال صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله على كل حال) فأثنى عليه على كل حال،لأنه المُعطي بتجلّيه كل حال. وأوضَح من هذا ما يكون، مع إقامة الحدود وإنكار ما ينبغي أن يُنكَر. فإن المُنكِر بالتّغيير أنْكَر (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن)..”أحوال إلهيّة في أعيان كِيّانيّة،بأسماء نِسبيّة،عَيّنتها تغييرات كونية”. فتجلّى أحديّ العين في أعيان مختلفة الكون،فرأت صُورها فيه،فشَهد العالَم بعضه بعضاً في تلك العين: فمنه المناسب وهو المُوافق،ومنه غير المناسب وهو المخالف. فظهرت الموافقة والخلاف في أعيان العالَم،دنيا وآخرة. فالمُؤثّر روحانيّ،والذي تأثّر طبيعيّ. وما من شيء تكون له صورة طبيعية في العالم إلا ولها روح قدسيّ،وتلك العين لا تَنحجب أبداً. فالعالَم في حال شهود أبداً،والتغيير كائن أبداً،لكن بالمُلائم وغير المُلائم،وهو المُعبّر عنه ب”النّفع والضرّ”..