“التّجريد“عند الصوفية
قراءة في كتاب الفتوحات الالهية
(التجريد) عند الصوفية على ثلاثة أقسام: تجرّد الظاهر فقط،أو الباطن فقط،أو هما معاً.
ف(التّجْريد الظاهري) هو (ترك الأسباب الدنيوية وخَرْق العوائد الجسمانية..
و(التّجْريد الباطني) هو (ترك العلائق النّفسانية والعوائق الوَهْمية)..
و(تَجْريدهما معاً) هو (ترك العلائق الباطنية والعوائد الجسمانية).
أو تقول: تجريد الظاهر هو (تَرْك كل ما يشغل الجوارح عن طاعة الله)..
وتجريد الباطن هو (ترك كل ما يشغل القلب عن الحضور مع الله)..
وتجريدُهما هو (إفراد القلب والقالب لله)..
و(التّجْريد الكامل في الظاهر) هو (ترك الأسباب،وتَعْرية البدن من مُعتاد الثياب)..
و(التجريد الكامل في الباطن) هو (تجريد القلب من كل وصف ذميم،وتحليّته بكل وصف كريم)..
وأما من جَرّد ظاهره دون باطنه فهو كذاب..
ومن جَرّد باطنه دون ظاهره،إن تأتّى ذلك،فهو حسن..
ومن جمع بين تجريدي الظاهر والباطن فهو (الصديق الكامل)،وهو الذهب المُشحّر الصافي الذي يصلُح لخزانة الملوك.
قال الشيخ أبو الحسن الشادلي: [ (آداب الفقير المتجرّد) أربعة: الحُرْمة للأكابر،والرحمة للأصاغر،والإنصاف من نفسك،وعدم الإنتصار لها.
و(آداب الفقير المُتَسبّب) أربعة: موالاة الأبرار،ومجانبة الفجّار،وإيقاع الصلاة في الجماعة،ومواساة الفقراء والمساكين بما يُفتَح عليه.وينبغي له أيضاً أن يتأدّب بآداب المُتجرّدين،إذ هو كمال في حَقّه ]..
ومن آداب المُتسبّب إقامتُه فيما أقامه الحق تعالى فيه من فعل الأسباب،حتى يكون الحق تعالى هو الذي ينقُله منها على لسان شيخه إن كان أو بإشارة واضحة كتعذّرها من كل وجه،فحينئذ ينتقل للتجريد..
ف(إرادتُه التجريد مع إقامته تعالى له في الأسباب هو الشهوة الخفيّة) لأن النفس قد تقصد بذلك الراحة ولم يكُن لها من اليقين ما تحمل به مشاقّ الفاقة،فإذا نزلت بها الفاقة إضطربت ورجعت إلى الأسباب،فيكون أقْبَح لها من الإقامة فيها..وكونُها خفية لأنها في الظاهر أظهرت الإنقطاع والتبتّل،وهو مقام شريف وحال منيف،لكنها في الباطن أخفت حظّها من قصد الراحة أو الكرامة أو الولاية أو غير ذلك من الحروف،ولم تقصد (تحقيق العبودية وتربية اليقين).وفاتها أيضاً (الأدب مع الحق)،حيث أرادت الخروج بنفسها ولم تصبر حتى يُؤذن لها..
وعلامة (إقامتها) فيها دَوامُها له مع حصول النتائج،وعدم العوائق القاطعة له عن الدين،وحصول الكفاية بحيث إذا تركها حصل له التشوّف إلى الخلق والإهتمام بالرّزق.فإذا إنخرمت هذه الشروط إنتقل إلى التجريد..ف(ليس الشّأن أن تترُك السبب،بل الشأن أن يترُكَك السّبب)..
و(المتجرّد) إذا أراد الرجوع إلى (الأسباب) من غير إذن صريح،فهو إنحطاط من الهِمّة العَليّة إلى الهمة الدَنيّة أو سقوط من الولاية الكبرى إلى الولاية الصغرى..فمعرفة المتجرّد أفضل،وفكرته أنْصَع..
والحاصل: أن (التجريد من غير إذن سَبَب،والسّبب مع الإذن تجريد)..
وهذا الكلام كلّه مع (السائرين)،وأما (الواصلون) المتمكّنون فلا كلام عليهم،إذ هم مأخوذون عن أنفسهم،يُقْبَضون من الله ويُدْفَعون بالله،قد تولّى الحق تعالى أمورهم وحفظ أسرارهم وحرس قلوبهم بجنود الأنوار،فلا تؤثّر فيها ظُلَم الأغيار،وعليه يُحمَل حال الصحابة في الأسباب..
واعلم أن (المُتسبّب والمتجرّد عاملان لله)،إذ كل واحد منهما حصل له (صدق التوجّه) إلى الله تعالى،حتى قال بعضهم: [مثل المتجرّد والمتسبّب كعبدين للملك،قال لأحدهما: (إعْمَل وكُلْ)،وقال للآخر: (إلْزَم،أنت حضرتي،وأنا أقوم لك بقسمتي) ]..ولكن (صدق التوجّه في المتجرّد أقوى)،لقلّة عوائقه وقطع علائقه..
رشيد موعشي