التفسير الإشارتي
الصوفي
هو تأويل آيات القرءان على خلاف ما يظهر منها بمقتضى
إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة.
أولا :أصل مشروعيته
أ – من القرءان :
عموم قوله تعالى :{ فَمَالِ هؤلاء الْقَوْمِ لاَ
يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }، وقوله منها أيضاً: { أَفَلاَ
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ
فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }وقوله في سورة محمد عليه السلام: { أَفَلاَ
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ .
ب – من الحديث :
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لكل آية ظهر وبطن، ولكل حرف
حد، ولكل حد مطلع “، وقوله : ” القرآن تحت العرش، له ظهر وبطن يُحاج العباد”.
ج – من أقوال الصحابة :
عن ابن عباس أنه قال: ” إن القرآن ذو شجون وفنون،
وظهور وبطون، لا تنقضي عجائبه، ولا تُبلغ غايته، فمَن أوغل فيه برفق نجا، ومَن
أخبر فيه بعنف هوى، أخبار وأمثال، وحلال وحرام، وناسخ ومنسوخ، ومُحكم ومتشابه،
وظهر وبطن، فظهره التلاوة، وبطنه التأويل، فجَالِسُوا به العلماء، وجَانِبُوا به
السفهاء
“.
وروى عن أبى الدرداء أنه قال: “لا يفقه الرجل كل
الفقه حتى يجعل للقرآن وجوهاً”. وعن ابن مسعود أنه قال: “مَن أراد علم الأوَّلين والآخرين
فليَثَوِّر القرآن”.
د – من التطبيقات التفسيرية للمفسرين من الصحابة :
فهناك روايات كثير دالة على أنهم فسَّروا القرآن تفسيراً
إشارياً، فما رواه البخاري عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: “كان
عمر يُدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وَجَدَ في نفسه فقال: لِمَ تُدخل هذا معنا
ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَن حيث علمكم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما
رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قوله تعالى: { إِذَا جَآءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } .. فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا
نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟
فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال:
{إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وذلك علامة أجلك، {
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } ..
فقال عمر: ما أعلم منها إلا مَا تقول”. فبعض الصحابة لم يفهم من السورة أكثر من معناها الظاهر، أما ابن عباس
وعمر، فقد فهما معنى آخر وراء الظاهر، هو المعنى الباطن الذى تدل عليه السورة
بطريق الإشارة.
ثانيا : شروط قبوله
أ- أن لا يكون التفسير الإشاري منافياً
للظاهر من النظم القرآني الكريم.
ب- أن يكون له شاهد شرعي يؤيده.
ت- أن لا يكون له معارض شرعي أو عقلي.
ث- أن لا يدَّعى أن التفسير الإشاري هو
المراد وحده دون الظاهر، بل لا بد أن نعترف بالمعنى الظاهر أولاً، إذ لا
يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر ” ومَن
ادّعى فهم أسرار القرآن ولم يُحَكِّم التفسير الظاهر فهو كمن ادَّعى البلوغ إلى
صدر البيت قبل أن يجاوز الباب “.
ثالثا : الفرق بينه وبين التفسير الصوفي النظري
وعلى هذا فالفرق بين التفسير الصوفي الإشاري والتفسير
الصوفي النظري من وجهين :
أولاً:
أن التفسير الصوفي النظري ينبني على مقدمات علمية تنقدح فى ذهن الصوفي أولاً، ثم
يُنزل القرآن عليها بعد ذلك.
أما التفسير الإشاري فلا يرتكز على مقدمات علمية، بل يرتكز
على رياضة روحية يأخذ بها الصوفي نفسه حتى يصل إلى درجة تنكشف له فيها من سجف
العبارات هذه الإشارات القدسية، وتنهل على قلبه من سُحُب الغيب ما تحمله الآيات من
المعارف السبحانية.
ثانياً: أن التفسير الصوفي النظري، يرى صاحبه أنه كل ما تحتمله الآية من المعاني، وليس وراءه معنى آخر يمكن أن تُحمل الآية عليه، هذا بحسب طاقته طبعاً. أما التفسير الإشاري فلا يرى الصوفي أنه كل ما يُراد من الآية، بل يرى أن هناك معنى آخر تحتمله الآية ويُراد منها أولاً وقبل كل شيء، وذلك هو المعنى الظاهر الذى ينساق إليه الذهن قبل غيره. وأما بالنسبة للأحاديث الواردة في هذا الموضوع فقد ذكر القاري في “مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” والكتاب مطبوع متداول وموجود في المكتبة الشاملة، كلاما طويلا جدا وفصل تفصيلا مملا وذكر أقوال العلماء والصحابة قبلهم في هذا الموضوع وتكلم عن الأحاديث الواردة في هذا المعنى قال: “رواه أي مصنف المصابيح في شرح السنة أي بإسناده فيه وأخرج الفريابي عن الحسن مرفوعا لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع وأخرج الديلمي خبر القرآن تحت العرش له ظهر وبطن يحاج العباد وأخرج الطبراني وأبو يعلى والبراز وغيرهم عن ابن مسعود موقوفا إن هذا القرآن ليس له حرف إلا له حد ولكل حد مطلع وقال ابن حجر الجملة الأولى جاءت من رواية أحد وعشرين صحابيا ومن ثم نص أبو عبيد على أنها متواترة أي معنى واختلفوا في معناها على أربعين قولا. منقول للفائدة.