بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمةَ الزهراء سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجةَ الكبرى امِّ المومنين ،وعلى اله وصحبه اجمعين.السلام عليكم ورحمة الله. موضوعنا حول التصوف العرفاني
التصوف أوعلم الحقائق ،أوعلم طريق الآخرة ،كما يسميه الغزالي،يعتني بالجانب السلوكي الأخلاقي ،بتربية النفس ومجاهدتها،فالتربية الصوفية الحقيقية تهذب الاخلاق،وتصفي البواطن من الامراض الباطنة ،كالحسد.والكبر،والغيبة، والنميمة، والإسراف،وحب الدنيا وحب الجاه،واللهو واللغو والغفلة…. التصوف يعبرعن البعد الباطني للإسلام ،وأنه ليس مجرد 5صلوات يقوم بها المسلم في اليوم،وزكاة ،وصوم،وحج.بل هو السبيل الى معرفة الله واسمائه وصفاته ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم.اقتداء بسيدنا محمد واتباعا للكتاب والسنة .فالصوفي الحقيقي لا يمكن الا ان يكون محافظا على السنة. يقول الشيخ زروق: نسبة التصوف في الدين نسبة الروح من الجسد لأنه مقام الإحسان الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام أن تعبد الله كأنك تراه.
فليس هناك تصوف فلسفي وتصوف سني،انما هناك فهم صحيح وفهم سقيم لحقائق التصوف،وهناك شيخ مأذون له،وآخرلا إذن له،ومن لا اذن له لا وصول له،وليس في التصوف مذاهب مختلفة ولا مدارس متنوعة ،انما هناك طرق حية تربي وترقي، وطرق تبركية تربي ولا ترقي،واخرى لا تربي ولا ترقي، طرق تختلف في الاسلوب وفي التربية،وتتفق في المفهوم،وتلتقي في الغاية : معرفة الله ورسوله.
وما أحسن ما قال ابن عربي في كتابه التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية: التصوف صافاك الله أمره عجيب،وشأنه غريب،وسره لطيف لايُمنح لكثيف،بل لصاحب عناية وتصريف، وقول حق،وقدم صدق،له أمور وأسرار،غطى عليها إقراروإنكار. انتهى
وعلى المريد ان يتحرى شيخا عارفا وسلسلته الصوفية معروفة أي شيخه معروف وشيخ شيخه كذاك ،فثمار التصوف السلوكي المأذون له هو المعرفة :معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه.معرفة النبي بالقرءان ومعرفة القرءان بالنبي.وليس معرفة الذات الإلهية تعالت عن ذالك علوا كبيرا.
واذا فقد شرط ،فقد جوهر التصوف،فالتصوف التبركي طريقة، والتصوف العرفاني حقيقة،والطريقة أن تعبده ،والحقيقة أن تشهده ” فإن لم تكن تراه” ، والتصوف العرفاني .وهو أسمى العلوم وأرفعها،وأثبتها وأعلاها مقاما،وللآسف عامة الناس لا يعرفون عنه شيئا، بل حتى بعض شيوخ الطرق الصوفية لايعرفون حقيقة التصوف العرفاني،لأن طريقتهم ليس فيها مذاكرة عن اسرار القرءان وعلوم القوم.
فاصبح التصوف العرفاني في خبر كان.واختفى اهل الصوفية الحقيقيون،واختفى سرهم , وصارالتصوف الحقيقي في طريق الاندثار وحل مكانه تصوف تبركي وربما فلكلوري تجاري بضاعة تسوق في السوق ،مع شيخ خلب يبحث عن شهرة والنقود، ويأخذ العهود،يسوء الى التوحيد والى مقام التجريد، شيخ خلب ولكن في نظر أتباعه،غوث زمانه وفريد عصره..دعاوي عريضة،ورقاب عريضة ،وباطن فارغ. فراغ روحي ومعرفي،يملأه المقربون منه ،فيصفونه بنعوت كبيرة، كصاحب الوقت وختم الزمان… ،وينسون قوله تعالى”ليسأل الصادقين عن صدقهم” فما بال المدعين الكاذبين. وحتى مريديي هذا الزمان نقصت همتهم، وضعفت ارادتهم وكل مريد يريد شيخا على مقاسه ، وكفى، شيخ يسلك به حسب هواه،لا يكلفه لا بالمجاهدة ، ولا بكثرة النوافل. شيخ ذو لحية طويلة، وعكازة، وعمامة، وسبحة، تقبل يداه ، يتزين ويخرج لمريديه كعروس في ليلة زفافها،وبين يديه حاجب يذب عليه.ولكثرة من نصَّب نفسه للمشيخة زورا، فإن ابن عطاء الله في أول حكمة ينبه إلى هذا “لا تصاحب من لا ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله، ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك،وربما أنك صاحبت من هو اسوأ حالا منك.
يقول القشيري
أما الخيام فإنها كخيامهم●●وأرى نساء الحي غير نسائها
ولعل تعبير ابن عجيبة عند شرحه للمباحث الأصلية لسرقسطي كان وضحا حيث يقول : أن التصوف أوعلم الحقائق ومعانيه،وأذواقه،قد ذهب بذهاب أهله،وإندثرواختفى،ولم يبق منه إلا رسوم وعلمات في كتبهم تدل على ما اتصفوا به،من محاسن الأخلاق،ومكارم الشيم …. ومع ذلك فرسالة التصوف دائمة لأنه مقام الإحسان،ولن تخلو الأرض منها بإذن الله،يحملها من يحظى بلقاء أهل الأذواق في حياتهم …”اهــ.
اختفى التصوف العرفاني وحتى عندما تريد التعريف به لا تجد اذانا ساغية وقلوب واعية.وحتى ان اتبعك أحدهم تراه يجر اذياله بصعوبة وراءك.
راحت الرسوم وبقيت المراسيم. ومن رسوم التصوف،التي مازالت قائمة في المجتمع المغربي،وإن افتقد هدفه السامي،حمل السبحة، أو وضعها في البيت أوفي السيارة،والصلاة على النبي جهرا،في الكثير من المساجد،والصلاة على النبي في المعاملات يقول لك البائع (وصلي على النبي) (والصلاعلنبي)،والصلاة على النبي في الأعراس بل في كل المناسبات. والأمداح النبوية حاضرة في المناسبات سواء كانت دينية،أودنيوية أفراحا أو أتراحا.
وكذا اعتقادهم البركة في الأشخاص،والأماكن والأشياء، والمياه .فلا شك أن هذه التصرفات هي بقايا تصوف مغربي،في طريقه إلى الإندثارظاهرا،أو ربما اندثر،ولم يبق إلا بعض الطرق التي تحاول تقليد التصوف.
قال صلى الله عليه وسلم : لا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ”. فإذا كانت النبوة بالمشرق فالولاية بالمغرب.وأكبرعدد من الأضرحة يوجد بالمغرب وهناك مدن وقرى وأحياء ،تسمى بأسماء الأولياء ,و تتضمن المملكة المغربية أكثر من 5000ضريحا، والضريح هو عبارة عن بناية مكعّبة الشكل تعلوها قبّة نصف كروية تبنى فوق قبر الولي أماعدد الصالحين الذين ليس على قبورهم اضرحة يفوق بكثير من عليه قبة. أما عدد الزوايا في المغرب فقرابة 1500 زاوية،قال الكتاب الفرنسي أرمان انطونة : المغرب بلد 100000 ولي ،و ولي .
فالمغرب بلد التصوف ومملكة الاولياء. يقول ابن عربي في (رسالة الإنتصار)… ففتح المغرب لا يجاريه فتح،إذ حظه من الزمان الوجودي ،الليل ،وهو المقدم في الكتاب العزيزعلى النهار،…فالحمد لله الذي جعل فَتْحَ المغرب فتح أسرار،فلا تفتضَّ أبكار الأسرار إلاعندنا، ثم تطلع عليكم في مشرقكم ثيبات قد فرضْنَ عدتهن … ) .وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله وعلى الزهراء بنت رسول الله