(التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الانسانية) / الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي
لخصت لكم كتابا
سبحان من أودع الأسرار في وجود حضرة الإنسان المقدسة المطهرة،فما أغفله عن القيام بشكرها ” قُتل الإنسان ما أكفره”،والويل لمن زهد في إعتبار وجوده وحقّره،والصغارله ما أذلّه وأصغره.
يقول الشيخ الأكبرحول كتاب (التدبيرات الإلهية): [ فإني بنيت هذا الكتاب، المستخرج من العلم اللدُني،المسمى في الإمام المبين الذي لا يدخله ريب ولا تخمين ب (التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية).وهو يشتمل على (مقدمة) و(تمهيد) و(أحد وعشرون) باباً من دقائق التوحيد في تدبير المُلك الذي لا يَبيد،على التدبيرالحكمي والنظام الإلهي.وجاء غريباً في شأنه،ممزوجاً رمزه ببيانه، يقرأه الخاص والعام(قد علم كل أناس مشربهم).وهو لباب التصوف، وسبيل التصرّف. يلهج به الواصل والسالك. يُعرب عن حقيقة الإنسان وعلو منصبه على سائرالحيوان،وأنه مختصر من العالم المحيط،مركب من كثيف وبسيط.حتى برز على غاية الكمال،وظهر في البرازخ بين الجلال والجمال.فليس في الجود بُخل،ولا في القدرة نقصان،وليس أبدع من هذا العالم في الإمكان..]
(المقابلة بين تدبير المملكة الدنياوية/السياسة،وبين سياسة المملكة الإنسانية..).
وجاء في التمهيد خلاصة فكرة الكتاب،قال الشيخ الأكبر: [إن الله تعالى قد شاء أن يبرزالعالم في الشفعية لينفرد سبحانه بالوترية،فيصحّ إسم الواحد الفرد،ويتميّز السيد من العبد.ولما وقفت على قوله تعالى (وهوالذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين إثنين يُغشي اليل النهارإن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).فأخذت في الفكروالإعتبارفي هذه الآية،فرأيت أن الإنسان من جملة الثمرات،ينمو كنمائها ويتغذى كغذائها ثم ينتهي كإنتهائها. فقلناهذه الشجرة فأين أختها التي تصح بها شفعيتها؟ فتتبعنا وجود هذه الحكمة في الإنسان وتفضيله على سائر الحيوان،وتقصّينا أسراره وحكمه ولطائفه،ورأيناها بأعيانها في العالم المحيط قدماً بقدم،فلم نزل نُقابله حرفاً بحرف ومعنى بمعنى، حتى وجدناه كأنه هو.فعلمنا أن الثمرة الواحدة (العالم الأكبر المحيط)،والثمرة الأخرى (الإنسان / العالم الأصغر)..فانظُر إلى ما تفرّق في العالم الأكبر تجده في هذا العالم الإنساني،من مُلك وملكوت..] / (= ذكر الشيخ الأكبر (التشابه بين العالم والإنسان)،وقام بالمقابلة بين النسختين (العالم الأكبر والأصغر) بعدة أمثلة)..
__ وقد جعل الشيخ الأكبر (مقدمة الكتاب) عبارة عن (توطئة لعلوم التصوف)، وقد وصف التصوف بقوله: [ التصوف أمره عجيب،وشأنه غريب، وسرّه لطيف.وليس يُمنح إلا لصاحب عناية وقدم صدق..]..وأن مَبْنى (طريق التصوف) على (التسليم والتصديق)..[ فإياك وطلب الدليل من خارج فتفتقد إلى المعارج. .أرأيت لمّا ثبتت نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم،وإستقرّ في نفوس العقلاء أنه ينطق عن الله تعالى،كيف دخلوا في (رقّ الإنقياد والتسليم)،وتعرّفت عليهم وظائف التكليف،ولم يسألوا ما الدليل ولاما العلّة..]. (= ذكرالشيخ الأكبر كلاماً نفيساً في الإشكالات التي تعرض على المريد،وكيف يتعامل معها..)..
__ سأقدّم أهمّ ما جاء في أبواب الكتاب،وذلك على شكل مواضيع متفرقة تمّ تجميعها من هذه الأبواب:
الباب 1_ إن أوّل موجود خلقه الله تعالى:(جوهر بسيط روحاني فرد)..(= ذكر الشيخ الأكبر أسماءه على إختلاف بين العارفين في التسمية،وإتفاقهم على المسمّى../ [ (الإمام المبين)،(العرش)،(مرآة الحق)،(الروح)،(المادة الأولى)، (المُمدّ الأول)،(المعلم الأول)،(المُفيض)،(مركز الدائرة) / وفي كل إسم يورد الشيخ الأكبر “سرّا للخواص” )..
الباب2 _ تحدّث الشيخ الأكبرعن ماهية وحقيقة (الروح)،وإختلاف العلماء فيه.. وإستدرك بقوله: [هذا خلاف لا يَضُرّ ولا يَهُدّ ركناً من أركان الشريعة،إذ قال كل واحد على مذهبه فيه أنه(مُحدث)،وإذا كان هذا فهو المُراد..].
3_ تحدث الشيخ الأكبر عن (إقامة مدينة الجسم،من جهة كونها مُلكاً للخليفة).. يقول الشيخ الأكبر: [لما أوجد الله تعالى هذا (الخليفة / الروح)،بنى له سبحانه مدينة يسكنها رعيته،وأرباب دولته تسمى (حضرة الجسم / البدن).وعيّن للخليفة منها موضعاً (هو “القلب” / المقصود من القلب هنا هو السرّ المودع فيه،وهو “الخليفة”)..فأقام له تعالى مدينة الجسم على أربعة أعمدة (وهي: “الأسطقسات والعناصر”)..(=وقام الشيخ الأكبر بذكر عناصر المملكة،ويتخللها ذكرنفائس من التدبيرالإلهي،وأسرارفي التوحيد الإلهي..).
4_ ذكر الشيخ الأكبر (السبب الذي لأجله وقع الحرب بين “العقل” و”الهوى”)..
يقول الشيخ الأكبر: [ وقعت الحروب لأجل (طلب الرياسة) على هذا الملك الإنساني،ليُخلصه من حصل بيده إلى النجاة..إذ لا يصح تدبير ملك بين أمرين متناقضين من أحكامهما (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)..فلم يُرد الله تعالى أن يدبّر هذا الملك إلا واحداً،وصرّح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما). والخلافة ظاهرة وباطنة،وقد تقرّرت الظاهرة وثبتت،وكلامنا هنا في (الخلافة الباطنة)..وليس التقدم والتأخّر (أي في الخلافة الباطنة / الصراع بين العقل والهوى) بالزمان،وإنما التقدّم هنا بإحصاء (شرائط الإمامة)،ففيمن وُجدت كان المقدّم للإمامة،ويُخلع من لم تكمُل فيه تلك الشرائط..].
فذكر الشيخ الأكبر (شرائط الإمامة)،وهي عشرة: ستّ منها (خِلْقيّة) لا تُكتسب، وأربع منها مكتسبة.
أما (الخلقية) فهي: [ (البلوغ)،و(العقل)،و(الحرية)،و(الذكورية)،و(نسب قريش / وفيه خلاف)،و(سلامة حاسة السمع)،و(البصر)].
وأما (المكتسبة) فهي: [ (النّجدة)،و(الكفاية)،و(العلم)،و(الورع) ].
وهذه الشرائط موجودة في هذا (الخليفة / الروح)، و(الهوى) مُعرّى منها../ (= ذكر الشيخ الأكبر”شرائط الإمامة” بإعتباره في “الروح”)..
واصل الشيخ الأكبر كلامه حول (سبب الصراع).. وأكّد أن (الروح) حقيقته (نور)،و(الهوى)حقيقته (نار)..وكل واحد منهما ينظر في الأسباب الموصلة هذا الملك الإنساني إلى حزبه..فوقعت الفتن والحروب..ولا يمكن لهذا الصراع أن يرتفع،لأن إرتفاعه هو عين المخالفة..(= سنة الإختلاف،وسرّ التكليف).
5_ تحدث الشيخ الأكبر عن (الإسم الذي يخصّ “الإمام”وحده،وعن صفاته وأفعاله)..
أخذ الشيخ الأكبر التسمية القرآنية للإمام،وهي (الخليفة)..وقد منع سبحانه أن يوجد منه في زمان واحد إثنان..فلا يصح إقامة مُلك بين مدبّرين..و(سرّ الخلافة) واحد،وهومُتوارث، تتوارثه هذه الأشباح..فلهذا قيل:(خلائف)..
وأكّد إبن عربي بأنه ينبغي لهذا (الخليفة)أن (يتخلّق بأسماء من إستخلفه)،حتى يظهر في أخلاق رعيته وفي أفعالهم..
وقد قدّم الشيخ الأكبر في هذا الباب عدة (وصايا) نفيسة في (سياسة تدبير المملكة الإنسانية)..وحلّل هذا التدبير بإعطاء مثال عجيب في (طلب الدنيا،والإعراض عنها،والقرب منها)،يقول في بدايته: [ رجل صرف وجهه للشمس فرجع ظلّه خلفه..] / وحلّل إشارات المثل قائلاً:[فأنت ذلك الرجل،والشمس وُجود الحق، والظلّال دنيا،وما حصل تحت قدميك القوت الذي لا بد منه ]..
وذكرتنبيهاً مهماً،أورد فيه صفات(الإمام)،يقول: [حافظ على ذاتك الشريفة الروحانية،واعرف قدرها لأي شيء وُجدت،وما المُراد منها.وإن أمكنك أن لا تصرفها،في جميع أفعالك،إلاعن أمر إلهي علوي فتحقّق،كما قال الخضر (وما فعلته عن أمري)..وإياك وإنفاد أمرفي مملكتك حتى تُشاور فيه وزيرك،فإن في (مشاورتك)إياه تثبيت مودّتك في قلبه،و(المودة) تورث الشفقة،و(الشفقة) تورث النصح،و(النصح) يورث العدل،و(العدل) بقاء المملكة.هذه ينبغي أن تكون صفات الإمام وأحواله،وإلا يهلك وتهلك ]..
__ ثمّ قسّم عوالم (المملكة الإنسانية) على الشكل التالي:
أ_ (الخليفة): ظاهره عمل،وباطنه علم.ظاهره حَدّ، وباطنه مطلع .
ب_ (الرعية): على قسمين: بادية وحاضرة.
البادية: عالم الشهادة المنفصل في حق المتبوع المحمدي. والحاضرة على قسمين: خواص وعوام. فالعوام:عالم الشهادة المتصل،وهي البادية في حق غير المتبوع. والخواص على قسمين:عالم العقل وعالم النفس.فعالم النفس ينقسم قسمين: مطيع وعاص،فالمطيع يسمى عالم الجبروت (وعالم النفس على الجملة هو البرزخ)، والعاصي هم أعداء هذه المدينة..وعالم العقل على قسمين: محجوب وغير محجوب. فأصحاب الأوصاف محجوبون،وهم عالم الملكوت أصحاب المقامات.وغيرالمحجوب هم أصحاب السّلب عرائس الله المخبأون عنده في خزائن غيوبه،وهم في المقام الذي يعبر عنه المحققون ب(الفناء الثالث/المحق الكلي)،وهم خواص هذه المدينة..
ومن بذل لكل عالم ما يحتاجه إليه،يكون في (المقام المحمدي صاحب علم وعمل)..[فما أحبّت رعية مليكها حتى زهد فيما عندها،والسخاء يورث المحبة، والمحبة تورث القربة،والقربة تورث الوصلة،والوصلة تورث الجمع ]..
6_ تحدث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (العدل): وهو(قاضي) هذه المدينة، القائم بأحكامها..يقول الشيخ الأكبر: [ ينبغي لك إن أردت بقاء مُلكك عليك، والظفربأعدائك،أن تول متولي أحكام رعيتك،ومنفد قضاياك (العدل)،فإنه أبقاه الله عليك،ما ولّي مدينة قط ولا مملكة إلا ظهرت فيها البركة ونمت فيها الأرزاق وعمّت الخيرات..المُلك جسد روحه العدل..]..
7_ تحدّث الشيخ الأكبرفي هذا الباب عن(الوزير / العقل) وصفته..وذكرإبن عربي بأن: [ (العقل) موجود عجيب،ومخترع لطيف،أوجده البارئ في ثاني مقام من الإمام،وأنزله من الخليفة منزلة القمر من الشمس..وعليه (أي العقل) يتوجه الخطاب من الله تعالى،إذ هو(مُدبّر)المملكة..فلمّا أبدع الله تعالى بنية العقل وسوّى جوهريته،أوْدَع فيه(حُسن التدبير والسياسة)،وعلى هذا المهيع وَردت (الشرائع)..]..
وحذّرالشيخ الأكبر من (الوهم)،لأنه موجود يبرُز للنفس على صورة العقل،وهو وزيرمُطاع، وله في الإنسان تأثير عظيم..
هذا الإلتباس حمل الشيخ الأكبر على تقديم (نعوت)،متى قامت بموجود ما، فذلك هو وزيرك وهو المراد:
_ (خُلُق الوزير وصفاته): [(العدل)شخصه،و(الهمّة)رأسه،و(الجمال) وجهه، و(الحفظ) حاجباه،و(الحياء)عيناه،و(الطلاقة) جبينه،و(العزّة) أنفه،و(الصدق) فمه،و(الحكمة) لسانه،و(النية) عنقه،و(السّعة وإحتمال الأذى) صدره،و(الشجاعة) عضده،و(التوكل) مرفقه،و(العصمة) معصمه،و(الكرم) كفه،و(الإيثار) بنانه، و(السجود) يده،و(اليُمن) يمينه،و(اليُسر) يساره،و(الورع) بطنه،و(العفّة) فرجه، و(الإستقامة)ساقه،و(الرجاء والخوف) قدماه،و(الفطنة) قلبه،و(العلم) روحه، و(الأمانة) حياته،و(الزهد) لباسه،و(التواضع) تاجه،و(الخشية) إكليله،و(الحِلم) خاتمه،و(الأنس) بيته،و(الهدى) طريقه،و(الشريعة) مصباحه،و(الفهم) دثاره، و(النصح)شعاره،و(الفراسة)عَلمه،و(الفقر) كسبه،و(العقل)إسمه،و(الحق) سمعه].
8_ تحدّث الشيخ الأكبرفي هذا الباب عن(الفراسة الشرعية والحكمية)..لمّا كانت الفراسة علم (الوزير /العقل)،ومحل كشفه وإطلاعه على مكمنات الخواطر ومغيبات الأمور:ساق إبن عربي في هذا الباب طرفاً مختصرة (حكمية وشرعية)..
(الفراسة)نور من أنوار الله عز وجل،يهدي له عباده.ولها دلائل في ظاهر الخلق،جرت الحكمة الإلهية بإرتباط مدلولاتها بها،وقد تشذّ،ولكن ذلك ناذراً في (الفراسة الحكمية)،إذ هي موقوفة على أدلّة ضعيفة.وأما (الفراسة الشرعية) فلا تشذّ،لأنها من أمر إلهي كما قال (وما فعلته من أمري)،فهي مستمرة عند أهلها، لأن دلائلها في نفس من قامت به،بخلاف (الحكمية)فإن أدلّتها في نفس المُتفرّس فيه..
والسبب الذي حمل الشيخ الأكبرعلى ذكر(الفراسة الحكمية / المعارف الفكرية والعلوم النظرية والأحكام التجريبية)،هوأنه ليس كل أحد يهبه الله تعالى (نور اليقين)ويُزيل حجب الرّيون من عين بصيرته،فينتظم في سلك أهل (الفراسة الشرعية)..(= سبق ذكر الشيخ الأكبر بأن هذا الكتاب موضوع للخاص والعام..)
ثمّ ذكر الشيخ الأكبر بأن: أعْدَل خِلْقة وأحكمها هي (خِلقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم)،وذكر(صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم)،وبهذه الصفة صحّ لسيدنا محمد الكمال ظاهراً وباطناً..ويقول مستنتجاً: [فإن قدرت أن لا تصحب إلا مثل هذا(أي من صفته كهذه) فافعل،ولا تقف مع شهوتك إذا لم يُنوّر الله بصيرتك، فإن رُزقت النور الإلهي فأنت إذ ذاك سلطان العالمين..]..
ثمّ ذكر الشيخ الأكبر(الصفات الخِلْقية) وما يُقابلها من (أخلاق وطبائع)..وذكر إعتدال (النشأة اللطيفة الإنسانية)حرفاً بحرف على(النّشأة المعتدلة الطينية)..
ثمّ تحدّث عن (الفراسة الشرعية)،وذكر موانعها وكيفية إكتسابها،ومما قاله: [ (عالم الملكوت)هو المحرّك ل(عالم الشهادة)،وهو تحت قهره وتسخيره..وذلك أن الحيوان لا يتحرّك إلا عن (قصد وإرادة)،وهما من(عمل القلب)،وهو من (عالم الغيب)..وكما أن (البصر)لايُدرك عالم الشهادة ما لم ترتفع الموانع..كذلك (عين البصيرة) حجابها (الرّيون والشهوات وملاحظات الأغيار)،وغيرها من الحُجب، فتحول بينها وبين إدراك عالم الملكوت (عالم الغيب)]..
ويخلُص الشيخ الأكبر إلى القول: [(الفراسة الشرعية)هي(أعلى درجات المكاشفة)،ولها علامات في الحسّ،وبينها وبين عالم الغيب إرتباط،وهذا (علم موقوف على الذّوق)،خلاف (الفراسة الحكمية) فإنها موقوفة على (التجربة والعادة)،وقد لا تصدُق..].
9_ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (الكاتب / القلب) وصفاته..
يقول إبن عربي: [ (الكاتب) صفة لطيفة علمية،تسمى (اليمين)،لها عين،ومادتها من عليين وهو مقام الأبرار..فإذا أراد (الإمام) أن يُظهر أمراً من الملكوت في عالم الشهادة،تجلّى للقلب فإنشرح الصدر،وذلك عبارة عن كشف الغطاء،فإرتقم فيه مُراد الإمام..و(القلب) هو (مرآة العقل)،فيرى العقل في مرآته ما لم يكن رآه قبل ذلك،فيعرف أنه مُراد الإمام،فيستدعي الكاتب فيُطلقه على المُراد..]..
وفي حديثه عن(مقام الكاتب)،يقول: [ ليس من (العرش) إلى (الكرسي)مدح ولا ذمّ،سوى(علوم مقدّسة وتنزّلات منزّهة)..والفرقان والعرش مقام (الإمام)، والكرسي مقام (النفس) وهي محلّ التغييروالتطهير حالاً ومقاماً.فإذا نفذ الأمرإلى (الكاتب) فإنه ينفذ واحداً مقدساً لا يتّصف بحمد ولا ذمّ..والكاتب إنما يكتُب من (الخزانة المحمدية)..فحقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم هي (المُمدّة) لحال الكاتب في حاله ومقامه..]..
و(الكاتب)موجود شريف،إصطنعه(الخليفة) لنفسه،وإتخذه سميراً لأنسه..ومما يجب عليه أن يكون:[حسن الخُلق،صبوراً حمولاً للأذى،كاتماً للأسرارالملكوتية، فصيحاً بليغاً..و(الكاتب)إذا كان على ما ذكرناه فهو(قرع باب الصديقين)،ومن ثمّ يحصُل له (ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله)..].
وذكر الشيخ الأكبر توقيعات:[رباني،ومَلكي،ونفسي،وشيطاني ]..
10_ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (العاملين أصحاب الجبايات والخراج / الحواس)..
[ (العين) و(الأذن) و(اللسان) و(اليد) و(البطن) و(الفرج) و(الرجل) ] / كل واحد منهم رئيس وخازن على صنف من أصناف المال الذي يجبيه..ورئيسهم وإمامهم (الحسّ)،الذي ترجع إليه هذه الحواس كلها بأعمالها كلها. والحس تحت سلطان (الخيال)،والخيال تحت سلطان (الذكر)،والذكر تحت سلطان (الفكر)،والفكر تحت سلطان (العقل). [والعقل وزيرك،وأنت الرئيس الإمام المعبّر عنه ب(الروح القدسي) ]..
ويقول الشيخ الأكبر،ناصحاً ومحذراً: [ وأنت مُطالب: تطلُبك الرعية ب(الرفق وحسن المعاشرة)،ويطلبك من إستخلفك ب(إمتثال الأمر وتمشية العدل). فإحذر هذين المقامين..وخير(وازع) تُحمد سيرته وتُشكر بصيرته هو(العلم)،فوزعته (الثبات والإقتصاد والحزم والرّفق).فإنه إذا إتّصل إلى عمالتك وزعته أقام (ميزان العدل وحسن السياسة)،فإنه نافذ البصيرة يعرف خُبث الرعية ومكايدها.. فإعتمد عليه،فإنه تُحمد عاقبته إن شاء الله..].
11_ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (رفع الجبايات / الأعمال إلى الحضرة الإلهية)..فبيّن كيفية وصول (الجبايات)إلى الإنسان من الحضرة القلبية والحسية إليه،ومنه إلى الله تعالى..ثم قال: [فعليك أيها السيّد بالأعمال التي تخترق السماوات العُلا..]..
12_ في هذا الباب تحدّث الشيخ الأكبر عن(السّفراء والرّسل المتوجهين إلى الثائرين بمدينة البدن)..
يقول إبن عربي: [لتكُن رُسلك إلى (الهوى)المَلك المُطاع الثائر بمدينتك (التوفيق والهُدى والفكروالإعتباروالتدبّر والثبات والقصد والحزم والإستبصاروالتذكّر والخوف والرجاء والإنصاف)،وما شاكل هذه الأوصاف..فأفْلَح ورَبح وعظُم مَلك كانت رُسله هؤلاء إلى أعدائه،فإنه يعلم على الضرورة أنهم يقمعون عدوه بالحجة القاطعة،وربما أسْلَم،ويرجع الهوى الذي كان يقصد الشرّ يقصد الخير،وتُكفى مؤونة المقابلة والمقاتلة..وإن قَدمت عليك رُسل الهوى:(الحرص والكذب والخيانة والغدر والجبن والبخل والجهل والشّره والعيّ والبلادة)،وما شاكل هذا الصنف، فلا تغلظ عليهم فإن (إهانة الرّسل من عدم السياسة)..فتعلّم كيف تُقام الحجج على كل رسول من رُسُل الهوى بما تقتضيه منزلته حتى يُسلم الكُلّ،فإن الإسلام هو الأصل،فيرجعون إلى أصولهم،بخلاف رُسُلك فإنهم لا يرتدّون أبداً عليك..].
وذكر الشيخ الأكبر بأن هذه (السياسة) مع رُسُل الهوى هي سبب الفلاح،لذلك قال: [ولهذا (ترى المريدين اليوم يَقِلّ فلاحهم لعدم مُحاضرتهم مثل هذا المجلس)، وإنما هم يُغلظون بالقول على هؤلاء الرّسل من غير سياسة.ولهذا (ترى لهم دخول في طريق الخير وليس لهم ثُبوت)،ويسخر منهم الشيطان ]..
الباب 13 _ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (سياسة القواد والأجناد، ومراتبهم).. يقول إبن عربي: [ (الأجناد)هم الأعمدة التي يقوم عليها فسطاط المُلك،والأوتاد الذين يمسكونه..فالجهات التي يدخُل عليك الخَلل منها ويُفسد مُلكك،أربع جهات: (اليمين والشمال والخلف والأمام)..أما(التحت) فإليه يدعوك (أي الشيطان)،وأما (الفوق)فهو محلّ طريق التنزّل الإلهي..فإذا جعلت (المراقبة)عطايا هؤلاء الأربعة، صَحّ أمرك..فلتجعل (الخوف)عن يمينك، و(الرجاء)عن شمالك،و(العلم) أمامك بين يديك،و(التفكّر) من خلفك..]..
14_ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (سياسة الحروب وترتيب الجيوش)..
يقول الكبريت الأحمر:[عليك بالمحافظة على ذاتك الشريفة،فإقصد أنْزَه موضع عندك وأحْصنه،فإلزمه وإجعله موضع سُكناك،ألا وهو(الكرسي) موضع القدمين. وذلك المنزل هو(دار السنة وحصن الشرع)الحامي المانع..وإذا إنْفَسد في الجسم شيء،والروح باقٍ،أصلحه الطبيب وهو(التدبير).فحافظ على نفسك ولا تُباشر بها عدوّك..وإذا نزل بك عدوّ وإلتقى الجمعان،فقِفْ على ساحل(بحر العلم)،ثمّ إضرب بعصا (الهمّة)متن ذلك البحر العلمي.فإذاإنْفَتح لك طريق فأدخُل فيه فإن عدوّك سيقفو أثرك،فإن (العلم باب الرئاسة)،والعجب والشيطان يطمع فيه.فإذا توسّط العدو يَجد العلم خلفك،فإنه ضرورة ينطبق عليه فيَفْرق من غير قتال ولا مدافع..].
يطرح الشيخ الأكبرهنا لطيفة تختص ب(طلب العلم)،قائلاً: [فإذا قال لك عدوّك: أُطلُب العلم لتسود به على أبناء زمانك وتخضع لك الملوك ويفتقر إليك الخلق.فلا تَقُل هذا خاطرشيطاني فيفطن لك عدوك،ولكن أشرُع في طلب العلم،فالعلم يأبى إلا أن يُعطي حقيقته.والجهل الذي طرأ على إبليس في هذه المسألة أنه (تخيّل أنه بالعلم ضَلّ)،فلهذا يُحرّض على طلب العلم ولايعلم أن (العلم يكشف عورته وجهله).فجميع مطالب الخيرات إذا حرّض عليها عدوّك بالمقاصد الفاسدة فلا ترجع عنها،فإن (المُرائي العاقل أحسن من المُخلص البطال).فإن العمل إذا إستمر،وإن لم يكن خالصاً،لا بُدّ من نور يحصُل للقلب يرُدّه في لحظة إلى الإخلاص،فيقلب جميع أعمالك السالفة..]..
15_ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (السرّ الذي يغلب عليه أعداء هذه المدينة)..
يقول إبن عربي: [ (العدد) سر من أسرار الله تعالى في الوجود،وكل عدد مذكور في القرآن وفي الشرع فلمعنى.وهكذا خلق الله الموجودات متعدّدة من (إثنين) إلى (إثني عشر) وهي نهاية مراتب العدد..فالعالم الإنساني مركب من (أمهات أربع، ومولّدات أربع، ونفس، وعقل، والإنسان، والمرتبة)..
16_ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (ترتيب الغذاء الروحاني على فصول السنة لإقامة هذا المُلك الإنساني وبقائه)..
يقول إبن عربي: [(الغذاء) سبب إلهي لبقاء كل مُتغذ لاغنى عنه..وهذا الفصل لا يحتاج للكلام مع المخالفين فيه،فإن(طريق التصوف) ليس مبنياً على مُجادلة المخالفين،لأنهم في(عين الجمع)مشغولون بقلوبهم مع الله كيف تنبغي أن تكون. ].
ثمّ ذكر لكل (زمان / فصل) غذاءه المُناسب له..
17_ تحدّث الشيخ الأكبرفي هذا الباب عن (خواص الأسرار المودعة في الإنسان، وكيف ينبغي أن يكون السالك في أحواله)..
يقول إبن عربي: [ما أُضيف شيء إلى شيء،إلا ل (مناسبة)،غير أنها قد تظهر فتُعرف لقوتها،وقد تخفى فتُجهل لبُعدها.وهي على قسمين:(ظاهرة) و(باطنة)، فالظاهرة يعرفها (أهل الظاهر)إذا نَظروا وحقّقوا،والباطنة لاتُعرف أبداً بالنّظر، فإن معرفها موقوفة على (الوَهْب الإلهي)،وهذا هو(طور النبوة والولاية)..].
في (المناسبة الباطنة)،قال: [وكلناك فيها إلى (نفسك)،فإنها تُدرك ب(المجاهدات والمشاهدات) وذكر(المُضاهات بين الإنسان والعالم)، فقدّم ملخصاً جامعاً لذلك، يقول: [ يدور (الخلق) كله على أربعة عوالم: (العالم الأعلى، وعالم الإستحالة، وعالم عمارة الأمكنة،وعالم النّسب)،ولكل واحد من هؤلاء العوالم غاية.فجميع ما يحتوي عليه (العالم الأعلى) من العالم الكبير عشرون حقيقة،و(عالم الإستحالة) خمس عشرة حقيقة،و(عالم عمارة الأمكنة) أربع حقائق،و(عالم النّسب) عشر حقائق،وهي كلها في الإنسان موجودة.وهذه هي الأمهات،وهي (تسع وأربعون) حقيقة..وفي أعلى (العالم الأعلى) لطيفة الإستواء وهي (الحقيقة الكلية المحمدية)..]..
ثمّ ذكر الشيخ الأكبر بعض (الأسرارالإلهية الروحانية) المودعة في الإنسان.. وتكلّم عن (الأحوال) وأنواعها..وعن(خواص الأحجارالإنسانية) وأنواعها..
18_ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن(إفاضة العقل نوراليقين على ساحة القلب)..
ذكر إبن عربي بإختصار كيفية فيض النور،ومكانه،وأنواعه،ومتعلقاته..
19_ تحدّث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (الحُجُب المانعة من إدراك عين القلب الملكوت)..
يقول إبن عربي بأن(الأنوار) ثلاثة: [نور الحياة،ونورالعقل،ونور اليقين ].
أما (نور الحياة)،الذي هو إنعكاس شعاع النفس الحيوانية،فعلَله ثلاث: (الرّان،والحجاب،والقفل)،وهذه الأمراض تحصُل للقلب من جهة (النفس الأمارة بالسّوء)البهيمية.
أما (نور العقل)،الذي هو إنعكاس شعاع من جوهر العقل،فعلّته (النفس الغضبية)، لها نار تطبخ القلب وتحرقه فيصعد منه دخان على القلب يحول بين القلب والعقل، فتنقطع المادة فيُظلم القلب،وذلك الدخان هو (الغطاء،والكنّ، والغشاوة)، فإذا تكاثف أدّى إلى (العَمى)..
أما (نور اليقين)،الذي هو الأمر الأقصى،فالعلّة التي تحول بينه وبين عين اليقين من القلب (عدم الإخلاص،والقبض بالنظر إلى الأعمال).فلو أعرض لزال الحجاب ووقع الإنشراح وإتّصلت الأنوار وظهرت الآيات والعجائب..
20_ تحدث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (اللوح المحفوظ / الإمام المبين،ولوح المحو والإثبات)..
21_ تحدث الشيخ الأكبر في هذا الباب عن (أسباب الزفرات و التحرّك عند السماع)..
(السماع) سر من أسرار الله تعالى..و(السّامعون) شخصان: شخص (يسمع بنفسه)،وشخص (يسمع بعقله).
ومن قال بأنه (يسمع بربّه) فإنه نهاية درج سَمْع العقل.وللعقل سمعان: سمع من حيث (فطرته)،وسمع من حيث (الوضع).فالذي من حيث الوضع هو الذي قيل عنه يسمع بربّه (كنت سمعه الذي يسمع به)..
و(سماع النفس لا يأتي بعلم البتّة)،و(سماع العقل لا تكون معه حركة).فمن جمع بين الحركة والعلم فهو (كاذب جاهل بالحقائق)..
21_ وختم الشيخ الأكبر كتابه بذكر (آداب المريد مع شيخه)..كما قدّم (نصائح) للمريد الذي (لم يعثُر على شيخ التربية)..
وخلاصة القول : في هذا الكتاب “التدبيرات الالهية في اصلاح المملكة الانسانية ” ان ابن عربي قال أن الانسان عالم صغير مسلوخ من العالم الكبير أي ركز على مقارنة بـُـْنية الانسان ببنية العالم وبَيًّن من هو الكاتب والوزير والقاضي والعاملون…
وفي كتابه “عنقاء مغرب”ركز أساسا على العالم الباطني للإنسان .
رشيد موعشي