هو الكاتب والشاعروالمتصوف : أبو عبد الله
شرف الدين محمد بن سعيد بن حّماد الصّنهاجى البوصيرى صاحب قصيدة ” البردة ” وقصيدة ” الهمزية
فى مدح خير البرية
” .
يرجع نسبه الى” قبيلة صنهاجة ” الكبيرة التى عاشت فى بلاد المغرب .
وهو يعتز بأصله المغربي أمه
من ” دلاص” وهى بلدة بالبهنسا مركز بنى مزار بمحافظة المنيا , و أبوه من
” بوصير ” وهى بلدة صغيرة بين الفيوم وبنى
سويف ، وقد عاش البوصيرى طفولته فيها, لذلك فقد نسب إليها .
وبعد أن تعلم القراءة والكتابة فى كتّاب القرية , سافر الى القاهرة حيث تلقى بعض العلوم الشرعية واللغوية . ولأنه كان فقيرا فقد اشتغل بكتابة شواهد القبور، فقد كان ذا خط جميل ،وقد قاسى البوصيرى كثيرا من الفقر والضنك ،وعمل موظفا صغيرا فى بلبيس والمحلة الكبرى وسخا وغيرها .
ثم عاد الى القاهرة فلم يجد فيها ما يتمنى ، فسافر الى الإسكندرية ، وهناك تلقى تعاليم التصوف على يد الشيخ الحسن الشاذلي،ومن بعده لزم خليفته المرسى أبى العباس .
اشتهر البوصيرى بمدائحه النبوية ، لا سيما
قصيدته ” الهمزية ” و ” البردة ” اللتين
اتخذ منهم رجال الصوفية وردا لأذكارهم ، فعاشتا على الألسن وكثرت حولهم الشروح .
وقصيدته الهمزية فى مدح الرسول
تقع فى 457 بيتا وقد اسماها ” أم القرى فى مدح خير الورى ” وقد افتتحها
قائلا :
كيف ترقى رقيك الأنبياء *** يا
سماء ما طاولتها سماء
وقصيدة ” البردة ” من
خير ما قيل فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم [ البردة : هى
الكساء من الصوف يلتحف به كالعباءة ] ، ومنشأ هذه التسمية أن : كعب ببن زهير
المزني اشترك مع المشركين فى حرب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان له أخ اسمه :
بجير قد اسلم ، فلامه كعب وهجا الرسول ، فأهدر الرسول دمه دمه ،
وبعد فتح الطائف جاء كعب الى
النبي صلى الله عليه وسلم وقد غطى وجهه بنقاب لا يظهر منه سوى عينيه حتى لا يعرفه
أحد ، فأسلم ورفع النقاب عن وجهه وطلب الأمان ، فأمنه الرسول صلى الله عليه وسلم
فمدحه كعب بقصيدته المعروفة ” بانت سعاد ” ومطلعها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول *** متيم إثرها لم يفد مكبول
الى أن قال :
نُبئت أن رسول الله أوعدني *** والعفو عند رسول الله مأمول
فأعجب الرسول بها ,وخلع بردته ،ووهبها
له ، فعُرفت القصيدة باسم
” البردة ” . وقد
اشترى الخليفة معاوية بن أبى سفيان هذه (البردة) من ورثة كعب بعشرين ألف درهم ومن
ثم صار تقليدا أن يلبسها الخلفاء فى الأعياد .
ولما كانت قصيدة البوصيرى قد قيلت فى مدح الرسول كقصيدة كعب ، وكان البوصيرى قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فى المنام يخلع عليه بردته بعد إنشاده هذه القصيدة ، لذلك سميت القصيدة أيضا بالبردة ، وعن نظم هذه القصيدة والظروف التى أحاطت بها ، يقول البوصيرى :
أصابني فالج أبطل نصفى ( شلل نصفى ) , ففكرت
فى نظم قصيدتي الميمية ، فنظمتها، واستشفعت بها الى الله تعالى أن يعافيني ، وكررت
إنشادها ، وبكيت ودعوت وتوسلت ، ونمت فرأيت فى المنام بالنبي صلى الله عليه وسلم
وهو يمسح على وجهي بيده المباركة ، وألقى علىّ بردته ، فانتبهت ،
ووجدت فيّ نهضة (استطاع القيام)
فقمت وخرجت من بيتي ، ولم أكن قد أخبرت أحدا بذلك ، فلقيني أحد الفقراء الصوفيين ،
فقال لي : أريد أن تعطيني القصيدة التى مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت له : أيهم تريد ؟ فقصائدي فى مدحه صلى الله عليه وسلم كثيرة ، فقال : التى
قلتها بين يديّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يظهر إعجابه بها ، وألقى على من
انشدها بردة ! ( وكأنه كان فى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهى تتلى عليه ! )
فأعطيته إياها ..
وشاع خبر هذه القصيدة حتى وصل
الى الوزير ” بهاء الدين ” فبعث يطلبها مني، واقسم ألا يسمعها إلا قائما
حافيا مكشوف الرأس .
***
وقد نظم أمير الشعراء أحمد شوقي
قصيدة على منوالها سماها ” نهج البردة ” والنهج
هو الطريق ، أي أن قصيدته تسير على طريق قصيدة البوصيرى من حيث الوزن والقافيه
والموضوع , وقد اعترف فيها أحمد شوقى فأفضلية البوصيرى وقصيدته , وعجزه وعجز غيره
عن اللحاق به ،ومطلعها :
ريم على القاع بين ألبان والعلم
*** أحل سفك دمى فى الأشهر الحرم
واعترافا بفضل البوصيرى قال فى
نفس القصيدة :
مديحه فيك حبٌ خالصٌ وهوى ***
وصادق الحب يُملى صادق الكلم
الله يعلم أنى لا أعارضه *** من ذا يعارض سيل العارض العرم
وتغنى السيدة أم كلثوم بعض
أبيات ” نهج البردة ” لأحمد لشوقي .
***
وبردة البوصيرى مكتوبة بماء
الذهب ، وبخط واضح جميل على أرضية زرقاء مبهجة ، فى أُطر( براويز) مستطيلة تزين
حوائط مسجد البوصيرى ( حيث دفن ) بالإسكندرية على شاطئ البحر ، بجوار مسجد
أستاذه السيد أبى العباس المرسى .
***
وفى يوم الجمعة من كل أسبوع
ينتظم أكثر المصلين فى صفين متقابلين ، وفى يد كل منهم نسخة من البردة مطبوعة طبعا
أنيقا ، ثم يأخذون فى تلاوتها بصوت يبدأ خفيضا ، ثم يعلو شيئا فشيئا حتى تصير نغمة
جميلة ، تستهوى النفوس وتملك القلوب .
توفى البوصيرى فى رأى أكثر
المؤرخين سنة 696هـ 1296 م …
أسكنه الله فسيح جناته .