الإذن والاستئذان
وقفات مع اية قرءانية : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله رب العالمين. اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا و مولانا محمد و على آل سيدنا و مولانا محمد القبضة المحمدية القدسية، وجهة المريدين الصادقين وغاية العارفين المحققين و الركن الشديد المجيب للمومنين لبعض شأنهم وهو الرؤوف الرحيم { لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم } و صحبه و سلم.
قال تعالى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
إنّ أصل كلمة الأدب من مأدبة، فقد كان العرب في الجاهلية يُطلقون على الطعام الذي يدعون إليه الناس مأدبة، وبعد بعثة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم وعلى آله و صحبه ،تحوّل معنى كلمة الأدب الى التحلي بمكارم الأخلاق والشمائل الحميدة . جاء في الحديث النبوي: “أدبني ربّي فأحسن تأديبي”، و في حذيث آخر { إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق } فقد كان العربي يتحلى بأخلاق حميدة قبل البعثة النبوية الشريفة كالكرم و الشجاعة و الامانة و غيرها … وبعد ذلك تطوّر مفهوم الأدب في العصر الأموي إلى التعليم فكان المُؤدِّب يقوم بتعليم الشّعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم.
قال تعالى { النبي أولى بالمومنين من انفسهم } هذه الاية ايقضت همة ثلة من المومنين الموقنين بوساطته ،المصدقين بحقيقته، والمستشعرين حلاوة شفاعته في الدنيا قبل الاخرة ،فجعلتهم يجتهدون في التأدب معه صلى الله عليه و سلم و على آله ،ويراعون ذلك ،فلا يفتر لسانهم عن الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم، آناء الليل وأطراف النهار،ويقدمونه على أنفسهم ويستشيرونه في كل امورهم الدينية والدنيوية، ورد في الحديث الذي رواه الطبري” ما خاب من استخار، وما ندم من استشار” فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هوقبلة ارواحهم وكعبة اشباحهم ،هو أول من يطلب منه الاذن ويستشار، وفي كل الحالات هم الفائزون، فيأذن صلى الله عليه وسلم لمن شاء منهم ويستغفر للجميع قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وأقر تعالى للمستأذن بالايمان ،فالمومن هو الذي يستأذن نبيه ،وأمر المومن كله خير . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :{ عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ }.واستغفار مولانا رسول الله صلى الله عليه و سلم مقبول قطعا فهو العبد المقرب من رب العزة , تأمل قوله تعالى :{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان }فإني قريب منك يا محمد أسمع وأجيب،من جاءك يطلبني ،فالقرب المقصود هو من سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ،القريب من الله تعالى و من أراد تحقيق مطلوبه واجابة دعوته فعليه باللجوء الى ركن شديد تمر عبر برزخيته الدعوات، وتنال المكرومات ،الا وهو الواسطة العظمى في كل الامور الدينية والشؤون الدنيوية ، سيدنامحمد ومولانا احمد عليه مدار الوجود،وقطب دوائر الشهود، صلى الله عليه و سلم . لما ضاق الامر بلوط عليه السلام قال لقومه { لو ان لي بكم قوة او آوي الى ركن شديد } و هذا الركن الشديد هو المجيب لمن دعاه و الممد لمن قصده و المشير لمن استأذنه.وللاسترواح فكسر كلمة{ ركن شديد } بالحساب المغربي يساوي 92×14 : 92 إشارة إلى محمد و 14 إشارة الى اسم الله تعالى وهاب.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :{ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ } بيده العطاء والقسمة و من قسم لك فقد أعطاك، بل بيده القضاء{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
فاستئذانه صلى الله عليه و سلم أدب كبير و طلب نصرة لا تهزم و معونة لا تقهر وعزة لا مذل لها{ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ } لبعض شأنهم لتحقيق طلباتهم باللجوء الى الركن الشديد والذي الاجابة معه مضمونة. وللإشارة فكسر{ لبعض شأنهم }هو نفس كسر{ ركن شديد } 92×14 هو 1288 ( بالحساب المغربي : حساب اهل الانوار كما تقول عبارة ابن عربي) دلالة على ان هذا العدد المبارك جامع للخيرات، شامل للبركات،هو طلب و ذكر واستئذان . بالذكر به يتحقق المرام وتبلغ المقامات الجسام ،هو اضطحاب باطني بين الوساطة النبوية ورحمتها ولطفها ورؤوفيتها مع اسم الهي جمالي “الوهاب” ورد بالقرءان كله ثابت الالف اذ الوهب لالهي ثابت فالذكر بهذا العدد للأريب اللبيب الاديب غاية مقصودة وضالة منشودة .وليس الخبر كالعيان.
وهذه الاية العظيمة التي شملت مكارم الاستئذان النبوي الشريف وبينت منافعه الكبرى التي أقل مايرجع به من لم يؤذن له المغفرة والرحمة “و الله يرزق من يشاء بغير حساب “والكثير من الطرق الصوفية كالطريقة الكتانية على سبيل المثال تستفتح وردها اليومي بطلب الاذن {دستور يارسول الله .دستور يا اهل الله .دستور يا اهل النوبة } قبل الشروع في الاستغفار، وهذا ادب رفيع وسر وديع رقيق لأصحاب الجد و اليقين و ليس لأصحاب التقليد و التخمين و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه.
كتبه الراجي رحمة ربه
:جمال