الألفاظ التي توهم التّشبيه والتّجسيم

ابن العربي

الألفاظ التي توهم التّشبيه والتّجسيم في القرآن العزيز والحديث النبوي
[ …….لمّا كان القرآن مُنزلاً على لسان العرب،ففيه ما في اللسان العربي من خصائص. ولما كانت الأعراب لا تَعقل ما لا يُعْقَل،إلا حتى يُنَزّل لها في التوصيل بما تَعْقله،لذلك جاءت هذه الكلمات التي توهم التسبيه والتجسيم على هذا الحدّ.كما قال تعالى(ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى)فإنه لما كانت الملوك عند العرب تُجْلِس عبدها المُقرّب المكرّم منها،بهذا القدر في المساحة،فعقلت من هذا الخطاب قُرب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من ربّه.ولا نُبالي بما فَهمت العرب من ذلك،سوى القُرب.فالبرهان العقلي يَنفي الحدّ والمسافة عن الله.

والألفاظ عند العرب،على أربعة أقسام:ألفاظ متباينةألفاظ مُتواطئة .و ألفاظ مشتركة .وألفاظ مُترادفة.هذه هي الأمهات في عالَم الألفاظ ،مثل البرودة والحرارة واليبوسة والرطوبة في عالَم الطبائع.

أما نحن فنقول بهذا معهم،ولكن عندنا زَوائد،من باب الإطّلاع على الحقائق من جهة لم يَطّلعوا عليها،عَلمنا منها أن: الألفاظ كلها مُتباينة ،وإن إشتركت في النّطق.ومن جهة أخرى،عَلمنا أيضاً أن: الألفاظ كلها مُشتركة ،وإن تباينت في النّطق..

فاعلم أن المُحقّق الواقف،العارف بما تَقتضيه الحضرة الإلهية من التّقديس والتنزيه،ونَفي المُماثلة والتّشبيه،لا يَحجُبه ما نَطقت به الآيات والأخبار في حق الحق تعالى من أدوات التّقييد بالزمان والجهة والمكان.كقوله صلى الله عليه وسلم:(أين الله؟)،فأشارت الأمَة السوداء إلى السماء.فأثبت له الرسول الإيمان.فسأل صلى الله عليه وسلم بالظّرفية عمّا لا يجوز عليه المكان في النظر العقلي،والرسول أعلم بالله،والله أعلم بنفسه..

فالمحقّق يَعرف قطعاً أن هذه الأدوات اللفظية التشبيهية،إذا أطلقت على الحق،أنها مَصروفة إلى غير الوجه الذي يُعطيك التشبيه والتمثيل.ويعرف أيضاً أن الحقيقة لا تَقبل ذلك أصلاً.ولكن تَتفاضل العلماء،السّالمة عقائدهم من التجسيم.فإن المُشبّهة والمُجسّمة قد يُطلق عليهم أنهم علماء،من حيث علمهم بأمور غير هذه. فتفاضل العلماء،في هذا الصرف عن هذا الوجه الذي لا يَليق بالحق تعالى..]..

الفتوحات الجزء الأول الصفحة 88

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد