الأسماء الإلهية

ابن عربي

الأسماء الإلهية والحقائق الوجودية

اعلم أن أكثر العلماء بالله،من أهل الكشف والحقائق،ليس عندهم علم بسَبب بَدء العالَم إلا تعلّق العلم القديم بإيجاده،فكَوّن تعالى ما عَلم أنه سيُكَوّنه،وهنا ينتهي أكثر الناس.وأما نحن،ومن أطلعه الله على ما أطلعنا عليه،فقد وَقفنا على أمور أُخَرغير هذا.وذلك أنك إذا نَظرت العالَم مُفصّلاً بحقائقه ونِسَبه،وجَدته محصور الحقائق والنّسب،معلوم المنازل والرّتب،مُتناهي الأجناس،بين متماثل ومختلف. فإذا وَقفت على هذا الأمر عَلمت أن لهذا سرّاً لطيفاً وأمراً عجيباً،لا تُدرك حقيقته بدقيق فكر ولا نَظر،بل بعلم موهوب من علوم الكشف،ونتائج المجاهدات المُصاحبة للهِمَم. فإن مجاهدة بغير هِمّة غير مٌنتجة شيئاً ولا مؤثّرة في العلم،ولكن تُؤثّر في الحال من رقّة وصَفاء يَجده صاحب المجاهدة.

اعلم أن الأسماء الحسنى (التي تبلُغ فوق أسماء الإحصاء عدداً،وتَنزل دون أسماء الإحصاء سعادة)هي المؤثّرة في هذا العالم،وهي المفتاح الأول التي لا يعلمُها إلا هو. وأن لكل حقيقة وجودية إسماً يخُصّها من الأسماء. وأعني بالحقيقة:حقيقة تَجمع جنساً من الحقائق،ربّ تلك الحقيقة هو ذلك الإسم،وتلك الحقيقة عابدَته وتحت تكليفه.ليس غير ذلك.

فإذا نَظرت الأسماء كلها،المعلومة في العالَم العلوي والسّفلي،تَجد الأسماء السبعة،المُعبّر عنها بالصفات عند أصحاب علم الكلام،تتضمّنها.وليس غرضنا في هذا الكتاب في هذه الأمّهات السّبع،ولكن قصدُنا الأمّهات التي لا بدّ لإيجاد العالَم منها. كما لا نحتاج في دلائل العقول من معرفة الحق سبحانه،إلا كَونه موجوداً، عالماً،مُريداً،قادراً،حيّاً،لا غير. وما زاد على هذا فإنما يَقتضيه التكليف.

فمَجيء الرسول صلى الله عليه وسلم جَعلنا نَعرفه تعالى مُتكلّماً،والتّكليف جعلنا نَعرفه سميعاً،بصيراً إلى غير ذلك من الأسماء. والذي نحتاج إليه من معرفة الأسماء،إنما هو لوجود العالَم. وهذه الأسماء هي أرباب الأسماء،وما عَداها فسَدَنة لها. كما أن بعض هذه الأرباب سَدَنة لبعضها الآخر. فأمّهات الأسماء: الحيّ،العالِم،المُريد،القائل،الجواد،المُقسط. وهذه الأسماء هي بَنات الإسمين الإلهيين: المُدبّر والمُفصّل. فالحيّ يُثبت فَهمك بعد وجودك وقَبله. والعالِم يُثبت إحكامك في وجودك،وقبل وجودك يُثبت تَقديرك. والمُريد يُثبت إختصاصك. والقادر يُثبت عَدمك. والقائل يُثبت قِدَمك. والجواد يُثبت إيجادك. فالحيّ هو ربّ الأرباب والمَربوبين،وهو الإمام. ويَليه في الرّتبة العالِم. ويَلي العالِم المُريد. ويلي المريد القائل،ويلي القائل القادر ويلي القادر الجواد. وآخرهم المُقسط،فإنه ربّ المراتب،وهي آخر منازل الوجود. وما بَقي من الأسماء فهو تحت طاعة هؤلاء الأئمة الأرباب. وأئمة الأسماء،من غير نظر إلى العالَم،إنما هي أربعة لا غير،وهي: الحي،المتكلّم،السميع،البصير. فإنه تعالى إذا سَمع كلامه،ورأى ذاته،فقد كمُل وجوده في ذاته،من غير نظر إلى العالَم. فأول من قام لطَلب هذا العالَم،الإسمين الإلهيين المُدبّر والمُفصّل،عن سُؤال الإسم المَلِك. فعندما توجّها الإسمان على الشيء الذي عنه وُجد المِثال في نفس العالِم،من غير عَدم مُتقدّم،ولكن تقدّم مرتبةلا تقدّم وُجود،كتقدّم طُلوع الشمس على أول النهار،وإن كان أول النهار مُقارناً لطلوع الشمس.فلمّا دَبّر العالم وفَصّله هذان الإسمان الإلهيان،من غير جهل مُتقدّم به أو عَدم علم،وإنتشأت صورة المِثال في نفس العالم ــ تعلّق إسمه تعالى العالِم،إذ ذاك،بذلك المِثال،كما تعلّق بالصورة التي أخذ منها،وإن كانت غير مَرئية لأنها غير موجودة.. فأول أسماء العالَم،هذان الإسمان المدبّر والمفصّل. والإسم المُدبّرهو الذي حقّق وَقت الإيجاد المُقدّر،فتعلّق به الإسم المُريد على حَدّ ما أبرزه المُدبّر ودَبّره. وما عَملا هذين الإسمين شيئاً من نَشء هذا المِثال،إلا بمشاركة بَقية الأسماء،لكن من وراء حجاب هذين الإسمين. ولهذا صَحّت لهما الإمامة، والآخرون لا يشعرون بذلك حتى بَدت صورة المِثال،فرَأوا ما فيه من الحقائق المُناسبة لهم،تَجذبهم للتعشّق بها.فصار كل إسم يتعشّق بحقيقته التي هي موجودة في المِثال،ولكن لا يقدر على التأثير فيها،إذ لا تُعطي الحضرة التي تجلّى فيها هذا المثال.فأدّاهم ذلك التعشّق والحُبّ إلى الطّلب والسّعي والرّغبة في إيجاد صورة عَين ذلك المِثال،ليظهر سُلطانهم ويَصحّ على الحقيقة وجودهم.

 واعلم أن كل إسم إلهي يتضمّن جميع الأسماء كلها،وأن كل إسم يُنْعَت بجميع الأسماء في أفُقه وفي عِلمه. وإلا فكيف يَصحّ أن يكون كل إسم إلهي رَبّاً لعابده؟ هيهات هيهات. غير أن ثَمّ لَطيفة لا يُشْعَر بها،وذلك أنك تَعلم قطعاً في حُبوب البُرّ وأمثاله،أن كل بُرّة فيها من الحقائق ما في أختها. كما تَعلم أيضاً أن هذه الحبّة ليست عين هذه الحبّة الأخرى،وإن كانتا تحويان على حقائق متماثلة،فإنهما مِثلان. فابْحَث عن هذه الحقيقة التي تجعلك تُفرّق بين هاتين الحبّتين.كذلك شأن الأسماء الإلهية: كل إسم جامع لما جَمعت الأسماء من الحقائق،ثمّ تَعلم على القَطع أن هذا الإسم ليس هو هذا الأسم الآخر،بتلك اللطيفة التي بها فَرّقت بين حُبوب البُرّ،وكل مُتَماثل. فابْحَث عن هذا المعنى حتى تَعرفه بالذّكر لا بالفكر. [فقد أوْقَفتك على حقيقة ما ذَكرها أحد من المتقدمين،وربما ما اطّلع عليها،فربما خصّصت بها،ولا أدري هل تُعطى لغيري بَعدي أم لا من الحضرة التي أعطيتها؟ فإن إستقراها أو فَهمها من كتابي،فأنا المُعلّم له،وأما المتقدّمون فلم يجدوها..].. فلمّا لَجأت الأسماء كلها إلى هؤلاء الأئمة،ولجأت الأئمة إلى الإسم “الله“: لجأ الإسم “الله” إلى (الذات) من حيث غِناها عن الأسماء، سائلاً في إسعاف ما سألته الأسماء منه. فأنْعَم  المِحسان الجواد  بذلك وقال:  قُل للأئمة يتعلّقون بإبراز العالَم على حسب ما تُعطيه حقائقهم . فخرج إليهم الإسم الله وأخبرهم الخبر. فأقبلوا مُسرعين،فَرحين،مُبتهجين،ولم يزالوا كذلك..
ابن عربي الفتوحات الصفحة 99 – من الجزء الأول

لخصه الاستاذ رشيد موعشي

فالاسماء الإلهية هي المسيرة للدوائر الكونية بأياد خفية وفق الإرادة الإلهية

كل دائرة كونية لها اسم إلهي  مدبر .ولا تعطيل لدائرة من الدوائر الكونية

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عرض التعليقات (1)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد