إن وجدتني لم ترني،وإن فقدتني رأيتني

الشرح الاخير للمشهد الاول

ثم قال لي :إن وجدتني لم ترني،وإن فقدتني رأيتني.ثم قال لي:في الوجود فقدي،وفي الفقد وجودي.فلو اطلعت على الأخذ لوقفت على الوجود الحقيق .

ثم قال لي : إن وجدتني لم ترني وإن فقدتني رأيتني .

الله تعالى لاتدركه الابصار،فوجوده هو معرفة اسمائه ،وصفاته وكلامه،ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم،فسواء وجدته أم فقدته،لاإدراك ،الا للحجب التي تحول دون ذاته، فالحق تعالى غير مقيد بالصورة،”ليس كمثله شيء“.

والحق تعالى يوجد عند كل ما يفتقراليه قال تعالى(يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد)فكل ما يفتقر اليه يصب في بحر مقتضى اسم من الاسماء الالهية.وكل ما تفتقر اليه تجد الله عنده. 

قال تعالى(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ)فوجود الله عنده،عند فقد الماء،المتخيل له في السراب،وهو رجوعه إلى الله،لما تقطعت به الأسباب،وغلقت دون مطلوبه الأبواب،رجع إلى من (بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ).                              وقال تعالى(وَلَوْأَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّه)…( تَوَّابًا رَّحِيمًا)…واتبعها تعالى بقوله(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)ونسب تعالى الى نبيه صلى الله عليه وسلم:الحكم،والقضاء،والتسليم. .

فسلِّم له أمورك تسليما،ولا تجد حرجا في ذلك،تنقد نفسك من أوحال التوحيد.

فهذه المشاهد وراء حجاب البرزخية المحمدية.فافهم .

 ورد في الأثر الإسرائيلي:أن موسى قال:يا رب أين أجدك ؟ قال:عند المنكسرة قلوبهم من أجلي. 

 وكذلك الحديث الصحيح إن الله تعالى يقول يوم القيامة:عبدي،استطعمتك فلم تطعمني، قال:يا رب كيف أطعمك،وأنت رب العالمين؟ قال:استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أمالوأطعمته لوجدت ذلك عندي،عبدي استسقيتك فلم تسقني،قال :يا رب كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ فوجوده تعالى عند مقتضيات اسمائه. 

 أما فقده،فالجهل بأسمائه،وصفاته،وبنبيه،وفي هذه الحالة الشخص يكون له تصور وصورة عن ربه،وهو ماسماه ابن عربي”إله المعتقدات “.              وقد اشارالحديث الى هذا:ورد في مسند احمد:حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَاهُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا يَارَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَايَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِلَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا لَايَارَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا لَاقَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ يُحْشَرُالنَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَوَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَارَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَارَبُّنَا فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمْ اللَّهُ فَيَقُولُ أَنَارَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُمِنْ الرُّسُلِ(مسند احمد).

ففي يوم القيامة تظهر الربوبية في صورالمعتقدات،إذ لابد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه،فإذا تجلى له الحق في صورة معتقده،عرفه وأقر،به واذا تجلى له في غيرها أنكر.                                                   كما أن التجلي يوم القيامة جلالي محض(لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) وتكون الأمور صعبة جدا،جدا،نسأل الله تعالى الرحمة واللطف للمسلمين أجمعين.

فأصحاب وحدة الشهود،الذين يعرفون التجليات،هم السالمون من هذه الفتنة، فتح الله عين بصيرتهم،فرأوا وجه الله في كل شئ،فلا يخفى عليهم،غيرهم لايعتقد في الالوهية إلا بما جعل في نفسه من صفاتها،فالإله عنده بالجعل.                 فالحق هو المعبود المطلق جمعا وفرقا،ولذلك سمّى المشركون ذلك المجلى”إلها” مع كونه شجر،أو حجر،أو حيوانا،أوإنسانا،أو ملكا،أو كوكبا، فتأمل. فالحكم لسلطان التجلي الالهي في المعبودات لالصورأعيانها المشهودات،لأنك لو سالت ذلك الضال عن حقيقة مايعبد،لقال لك هذا حجرأوهذا كوكب.لذا قال تعالى”قل سموهم ”فلوسموهم لأقروا بحقيقتهم،فكن ممن عرف فأقر،لا ممن جهل فأنكر،فمراتب الناس في العلم بالله في الدنيا،هوعين مراتبهم في الرؤيا يوم القيامة،فابحث عمن يفتح عين بصيرتك فترى الحقائق كما هي عليه .لذا يقول ابن عربي في الفتوحات الباب 442 :من رآني وعرف أنه رآني فما رأني..انتهى..لأن معرفته راجعة على اعتقاده،لاعلى ما هي الألوهية في حقيقتها. فلنتفكر في ءالاء الله ولا نتفكر في ذات الله ،صدق رسول الله.

كما أن ظهور الألوهية في المظاهر،لاحصر له،وفي كل تجل وجه من وجوه الألوهية (فأينما تولوا فثم وجه الله)وهذه الصورة مقيدة بالتجلي الذي أظهرها،وهو مقيد بالإسم الإلهي الذي كان التجلي به،وبالحضرة المحمدية المُصاحبة له.وللخروج من هذا التقييد تبع الاية المذكورة،قوله تعالى(إن الله واسع عليم)فلهذا الوسع الإلهي لاتكرار في الوجود أبدا أبدا.ولنا في هذا أنموذج ،وهو سلوك النبي الصديق الذي في كل سيره يطلب التحقيق،وهو من أصحاب المشاهدة،هو سيدنا ابراهيم عليه السلام الذي يقول الله تعالى في حقه(إنه كان صديقا نبيا)..فآراه الله تعالى الملكوت،ورآى التجليات الإلهية، وصورها في الوجود،فتبرأ من الكوكب،ومن القمر،ومن الشمس،وعرف ان وجه الله فيهم استتر،لا الحق بهم ظهر.فالحق تعالى لايعبد في صور تجلياته. 

ثم قال لي : في الوجود فقدي،وفي الفقد وجودي

لأن الألوهية جمعت بين الأضداد،والفقد والوجود نعوت،لاتصل إلاَّ الى دائرة الأسماء الإلهية.وحتى في هذه المشاهد،المشهود يتقيد بتجل واحد،ففي وجوده فقده،اذا قيَّدته، وفي فقده وجوده،اذا أطلقته.فاذا فقدت الصورة وجدته في الاطلاق،وكأنه ينبهه الى : إذا فقدت الصورة التي ظهر بها التجلي،المقيدة رأيتني مطلقا.ومن هنا قال ابن عربي لقد اصبح قلبي قابلا كل صورة….الى اخر الابيات.

فلو اطلعت على الأخذ لوقفت على الوجود الحقيقي:

الوجود الحقيقي هووجود النورالمحمدي الاحمدي.ورد في الحديث أخذ الله قبضة من نورة وقل لها كوني محمدا.فهذا وجود حقيقي،لأن له مناسبة مع نور الأحدية ، ومجانسة مع الأسماء الإلهية.

والأخذ الثاني الحقيقي هو الذي ذكر في القرءان الكريم قوله تعالى(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى)  فهو وجود حقيقي لأن في عالم الذر الكل أقر بوحدانية الخالق.تجلى عليهم الحق تعالى بربوبيته،فأقروا بها.وقد أشار ابن عربي في المشهد الثاني الذي تكلم فيه عن “الاخذ” الى (قالوا بلى).

الأخذ الثالث هو أخذ الميثاق على النبيئين قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) وهذا الاخذ كذلك يوقف على الوجود الحقيقي ،فالله تعالى معهم من. الشاهدين.فالأخذ عدده ثلاثة كما قال في المشهد الثاني .

فابن عربي في مقام الختمية،وَوجودُ هذا “الاخذ” في هذا الخطاب القلبي يبين انه رضي الله عنه اخذ عن طريق الكمال،فهو فحلٌ في علوم القوم ،ويظهر في هذه المشاهد متمكنا.

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عرض التعليقات (1)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد