إسكاب الدمعة في مقالة الشمعة

إسكاب الدمعة في مقالة الشمعة

للشيخ أبي الفيض الكتاني قدس الله سره،( 1290- 1327هـ)(كلام يعتمد على التورية والرمز يصعب البلوغ الى باطنه) بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم: إذا نظرت أيها الصاحي الولهان،في مجالي حروف التبيان.لم تجد أواني، وإنما مثاني تسترت عند ظهورالصور، وظهرت في مطالع مكنونات السور.فمن اكتحل بإثمد القرآن،وتمنطق بتيجان الفرقان،وارتكب متن “والذين جاهدوا فينا” بأن جاءوا فرادى كما خلقناهم أول مرة؛تجريد في تجريد،عثر على بساط الباطن الظاهر، في مواد تشكلات العناصر.فمن نظر لتعددات المباني،وخيم مخيم التداني، خلفته الجياد يوم الرهان.ومن دقق سر المبْنى،وصل لحي المغْنى. تبدتْ بتلوين به احتجبتْ،وقد تجمعت الأضداد فيها لسترتي فالحكيم هو الشارب بكأسين،والناظر بعينين،قد التحف بغزليات الحضرة،وتلثم بشيئيات الخدمة،”إني أظل عند ربي” “إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني”.طعام المواصلة،وسقي زنجبيل معين المحادثة والمسامرة،على خوان الشوق والاشتياق،وحب غزليات الأطواق،لايشغله فرقان عن قرآن،ولا خمرعن الأوان. خيم مخيم الإطلاقات،وتمنطق بمنطقة ” نزل به الروح الامين على قلبك” من هيولى الهيولات،محمول بي في الأنموذجات،وسائر في سواحل نواسيت التقييدات. “ولقد كرمنا بني آدم” الأكبر”وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات”،طيبة التُّحف واللطائف،وعطايا المحادثات والمعارف،خلوات في جلوات، وجلوات في خلوات. قد أقيموا في كهوف الغارات،وصحاري المفازات.” وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه، ذلك من آيات الله .تلثموا بالقوتين، والتحفوا بالفرقدين، فسرى ما فيهم فيهم فصاروا غرباء، “بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء”. لا يألفون في دياجي المسامرات، ولا في ظهيرة الباءات إلا مسميات “وعلم ءادم الأسماء كلها”. فصاروا مجهولين الأين والعين، لون الماء لون إنائه، ظاهرهم ما ترى، وهو ارتقى عن أطباق الثرى، لا خبرة بهم لمالك، لمقامهم عند المالك،ولا لرضوان لكونهم في مخدع التبيان،”في مقعد صدق عند مليك مقتدر” فمثل سطور كرة العالم المنتقشة في لوح الإمكان، مثل حال الشمعة ظاهرها حكمة،وباطنها قدرة،بيد أن المعنى تسترت، بكثافات فيها ظهرت وتلونت، فلما وقعت المسامرة،وأطرينا في المحادثة والمسايرة،نطقت الشمعة بلسان التشبيه،وأعربت عن التشبيه في التنزيه قائلة ” فأينما تولوا فثم وجه الله”.

فقلت: الوجه كناية عن رمز النعت الرحماني والسر الحقاني، لأن أول ما ارتسم في جوهرية العما هيولى الإجمال والتفصيل، فلا زالت تنسخ منها النسخ وتنفعل عنها المقتضيات. فلما ظهرت بشكلها ورسمها ونعتها ووسمها فثم وجه الله ظاهر،وإن تستر بالعناصر،ليس إلا النَّفَسُ اليماني، في سرادقات نواسيت المباني، يثني بالعبرانية، على منابر السُّريانية، فإذا هي عجمية، “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد في الصلاة”، صلاة الجمع والقرآن، في ميادين أزهر البستان، فإذا استُهلك في خيلان حسنه، وأزيحت عن سماء كله سحب بينه، وجد ماهيته تشبيه في تنزيه، تنزيه في تشبيه،وهو ساجد في الصلاة ولا شعور له به، فهو واله عنه فيه.

نكتة بديعة: له اسمان الظاهر والباطن، فهو ظاهر والنواسيت باطن، فتجلى عليها بالباطن لتكون ذاته جامعة للخفاء والظهور،فالكلية ظاهرة، والجزئية باطنة، والكل هو، إذ لا زالت الكنزية مستمرة،ولا زمان ولا دنيا ولا آخرة، إنما هناك الظهور الجملي بعنوان الطي، وهنا الظهور التفصيلي بنعت النشر، فذاته لذاته ظاهرة وباطنة،وكنت في إبرازها كالمجبور. وهذا من قهر الأنموذج الخفي ليس معه غيره ومع ذلك يحجبك عنه به فيه “فإذا أحببتُه كنتُه” وهي قديمة بقدم الذات والهوية كذلك.

فالمقصود: شعورك بك فيك، فإذا شعرت باستواء ذاتك بذاتك على ذاتك فذلك قول عينك “إن الذي فرض عليك القرءان لرادك إلى معاد”، لوح الصحاري وبحار اللاهوت المضمضم المستهلك فيه جميع النسب والإضافات “وفيها نعيدكم” “وجعلت قرة عيني” عين ماهية المواهي المطلقة عن الأين والبين “في الصلاة” صلاة إسقاط الفروق والجمعيات، فإذا هو تشبيه في تنزيه ووجوب في إمكان، وهذا حال للمستوى دائما، فإذا فتر عن هذه النسمات فلا زال في ميادين الصبا “إني أبيت عند ربي” إني أي حقيقة ماهية بحتية صرافتي، أبيت بكهوف مفازات الهوية أرتَعُ بأرجاء أزهار الرياض،مستنشقا نفحات أسحار الحياض،وأنهل بكؤوس رضاب الزنجبيل ثغر حباب السلسبيل.وألثم خيلان الجمال العجمي وأطرب بغواني المثاني،في بساط السبع المثاني،حصباء دُر على أرض من الذهب.عبد ربي لا فرق بين الإسم الجامع وغيره،فالكل راجع للذات،وحاو لما تضمنته الأسماء والمقتضيات، فهو كقوله “إن الله معنا”أعني عنده يطعمني ببسط زيادة أشعة الفيض الإلهي من بساط الأحدية الجمعية الكلية، ويسقيني من صهباء عروسة مراتب الدنو عند تقريبها في بساط ” وأنا اخترتك” إني أظل فإذاً له القوة الإحاطية الوسعية المتلوة من لوح “ق.والقرءان المجيد”، وكذلك وُرَّاثه “الأقربون أولى بالمعروف” أي أولى من غيرهم بإرث المعروف الحقيقي.

قالت الشمعة: فاستويت برحمانيتي على عرش سري، وصار الكل منطويا في سرادقات عزي، كل من طويته عنه خلفته وصرت ألمع من سماء عوالمه وأرتع في جزئيات مكامنه، والتحفت بحرارة رهبوت الأحدية، واستويت منها على كافور الواحدية فصار الوجوب إمكانا والإمكان وجوبا، فصارت اللمعات اللامعة من جوانب الوادي تسحق كل وارد ورد من غير نديم النادي، فأنا منهل لا يروى مني كل وارد، ومائدة لا يجلس عليها كل طفيلي، وخبر لا يقرع كل أذن.

اللهم من ارتوى بــ:”زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار “، فإن كانته فذلك سدرة منهل الوصلة في “مرج البحرين” الإمكان والوجوب “يلتقيان” بواسطة “وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق”، “بينهما برزخ” : “الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني في شيء منهما قصمته”، فإن هو انثنى حتى صار هو بلا هو، فتراني مشرقة عليه أشعة فيضي وأردية نوالي، فتراني أسمعت الأذان “إني أحبه فأحبوه” فصير نديم الحانات وسمير الكاسات ويجلس على بساط “إنما أنا قاسم”، فتراه مشكاة يقتبس منه كل وارد، ويأخذ من قاموس أمواجه كل محب عائد، ولا منتهى لأشعتي ولا لفيض أرديتي، أوليتي عين آخريتي وظاهري عين باطني، ولست أستوي إلا على كرسي مستواي، إذ ليس مرمى دون مرماه ومرماي، وهيولايَ هي القابلة للارتسام المنقوش في مسطور طروسها.

فلولا ها ما عرفت ولبقيت مجهولا كما عرفت،إذ صدمات أحديتي تحرق ما دونها،ووسعية رحمانيتي، المعبر عنها به، هي المنتشرة على دوائر مراتبي ومناهلي ومعاهدي ومشاهدي، ولولاها لبقي الحكم للأحدية الغير قابلة لغيرها،فلا يقع ظهور أصلا، فإن برْدَ كافور وسع الواحدية في حرارة وسع الأحدية فكان الحكم لهما معا، وبهما وقع الانتظام وما وقع الانتشار، فهو الفتيلة القابلة لما ذكر.

“الله نور السماوات والارض”سماوات مراتب دياجي الأحدية الصرفة البحتية، وأرض معاهد المحمدية “مثل نوره كمشكاة” وهي: المحمدية، {فيها مصباح} البحتية المجردة، “المصباح في زجاجة” شمس الأحدية الأولية، “الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة”؛وهي هيولى التفصيل والإجمال بنعت “بي عرفوني” فهو بهذا المعنى كذلك. “مباركة زيتونة لا شرقية” فتشرق، “ولا غربية” فتغرب، “يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار”، هو نور فيض عين الأحدية التجريدية، {ولو لم تمسسه نار” الحقيقة الثانية، إذ الكل  “نور على نور”،”الرحمن على العرش استوى” أي: في عرش نعت الروح الكلي والجسم الكلي ظهر فيه له منه باعتبار التجريد المطلق، أو في عرش الجناب المحمدي التعددي ظهر لمن تبصر، في مجلى منصة أوانية الفرقانية ظهر، أو في عرش نفس نفس ماهيته ظهر، واستوى وأثنى على نفسه بنفسه بلسان التمجيد العجمي، وليست إلا النواسيت فهي تلمع فيها، وتخصيص الرحمان لدلالته على وسع دائرة الرحمانية المدلول عليها بالحاء وتجويفها، والوسع يناسب العرش والاستواء.

قالت الشمعة: ولا تزال أقدام الأحدية مستوية على عرش الصفات إلى أن يرث الله أرض الممكنات الإمكانية ومن عليها بنعت “وفيها نعيدكم”، وبنعت “لمن الملك اليوم لله” الأحد، وهناك أُظهر قبضة من نوري فأقول لها: “كوني محمدا” مع اتصال العين بالعين، فتكون بحكم التوجه التكويني، وهناك يقع الانتشار التعددي الوحداني، فهو عالم الدر المسموع فيه {ألست} وليس بعد ذلك إلا التجلي العظموتي والرحماني والرحيمي، والحكم قبل الدخول للجنان للرحمانية الوسعية الإحاطية المفاضة من بساط “رحمتي تسبق غضبي” وبعد ذلك مني إلي في علي دائم دائم باق باق أحد أحمد “لمن الملك اليوم لله” الأحد إذ الكل كذلك.انتهى كلام الشيخ سيدي محمد الكتاني.

كلام سيدي محمد بصيغة اخرى قلت”:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يكون المريد مريدا حتى يجد في القرءان كل مايريد ولا يصل السالك الى هذا المقام الا بالمجاهدة “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”وبإفراغ القلب من السوى حتى يصل الى بساط( الظاهر الباطن) ويفتح الله بصيرته فتصبح الامور ظاهرة له، باطنةعن غيره، وينتقل من المبنى الى المعنى، ومن الحُكم الى الحكمة ،فالعاقل هوالشارب بكأسي الشريعة و الحقيقة والناظر بعينين المحمدية و الاحمدية فيدرك اسرار الايات القرءانية،و يأخذ عن ربه العلوم اللدنية ،لأن الله كرم بني ادم وحمله في بر اللطائف وبحر المعارف فتطلع عليهم شمس الحقيقة نهارا وتغرب عليهم ليلا فتصيِّرهم غرباء عن غير مشربهم بعداء و” لون الماء لون الاناء” مجهولين عند مالك وعند رضوان خادم الجنان معروفين عند الرحمان اذ هم محل نظره من الثقلان، يظهرون مقتضات القرءان ،وفي كل شئ يرون وجه الله الظاهر وأن تستر بالعناصر”فأينما تولوا فثم وجه الله”. وصاحب هذا المقام تستقر الصفة في وجدانه”فبي يبصر وبي يسمع وبي يبطش””فإذا أحببتُه كنتُه” فيصبح ظاهره باطنه ،وباطنه ظاهره، الشمعة ظاهرها حكمة،وباطنها قدرة ،مطلق غير مقيد، فالمقصود، شعورك بك فيك، فإذا شعرت باستواء ذاتك بذاتك على ذاتك ،ولجت بساط  التشبيه في التنزيه والوجوب في الإمكان”إني أبيت عند ربي”ربه العبد الحقاني صاحب السبع المثاني” عبد ربي لا فرق بين الإسم الجامع وغيره” .إن الذين يبايعونك انما يبايعون الله”يطعمه من فيض الالوهية ويسقيه من بساط الاحدية ،فيكون المختار من بين العبيد،وله قوة “ق والقرءان المجيد” فيرتع من الدوائر الكونية ،ويلتحف بحرارة الاحدية ويستنشق نسمات الرحمانية،ويستوي على كافور الواحدية، فيرى الوجوب إمكانا والإمكان وجوبا، اذ الكل فيها نال المساواة ،وهي بداية الاعدادات، فارتوى من ” شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار” فـرى النبوة المحمدية سراج لامع ،وسر جامع ،وسماء الجميع، هي التي اخرجت الوجود من ليل العتم ،ولو بقي في حكم الاحدية لبقي في العدم ” مثل نوره كمشكاة” عرفت الخلائق بالخالق ،وأظهرت الحقائق ” يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار” نورالمحمدية على نورالاحمدية،وما تزال قدم الأحدية مستوية على عرش الصفات إلى أن يرث الله أرض الممكنات، وليس بعد ذلك إلا التجلي العظموتي والرحماني والرحيمي،والحكم قبل الدخول للجنان للرحمانية الوسعية الإحاطية المفاضة من بساط “رحمتي سبقت غضبي” .”لمن الملك اليوم لله” .اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد الاحد الثاني صاحب السبع المثاني وعلى اله وصحبه.

حصل المقال على : 1٬252 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد