بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ( الحج 18) والخطاب لسيدنا محمد صلى الله عليه وةسلم ” الم تر” وهي رؤيا عيانية ،أما في حق العارفين هو كشف وشهود .قال تعالى” فأينما تولوا فثم وجه الله” وماقال تعالى هذا الا لعلمه أنا منا من سيرى هذا الوجه من وجوه الالوهية اينما تولى ،وليس الا تجليات الاسماء الالهية. فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يرى مالا نرى ويسمع ما لا نسمع قال صلى الله عليه ويلم : ولولا تمريج قلوبكم أو تزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع”. ( أخرجه الطبراني) يرى سجود كل شيء (يسجد له من في السموات والارض) فأطلق وعمم ثم جاء التفصيل بعدها :والشمس ،والقمر،والنجوم،وهم في السماء،والجبال والشجر،والدواب وكثير من الناس وهم من اهل الارض وما ورد التبعيض الا مع ذكر الناس ولم يقل تعالى كل الناس وكل ما ذكره الحق تعالى نراه ببصرنا، ولكن لانفقه سجوده ،ولا يرى سجودهم إلا من كشف الله عن بصيرته فأصبح نظره حديد،وفي السموات والارض من لا نراه كالملائكة والجن فالتعميم جمع الظاهر والباطن والتفصيل. اشارت الاية الى الظاهر: لأن الشمس والقمر والنجوم عبدوا من دون الله واعتقدت فيهم الربوبية .
و أرى انه من الناحية الذوقية كل من قرأ هذه الاية يسجد ولو مرة واحدة عند قراءتها ،لأن تجلي الحق في كلامه دائم ،وحتى يُعَدَّ مع “وكثير من الناس” فالحق تعالى عمم سجود مخلوقاته له وعند ذكر الناس اورد التبعيض ” وكثير من الناس”.
فالحقيقة اقتضت التعميم سجود كل شيء لله (من في السموات والارض) لأن كل شئ يسبح ( وان من شئ الا يسبح بحمده)والشريعة اقتضت التقييد، لأنها هي القائد يجب اتباع ماجاء به خاتم الانبياء صلى الله عليه وسلم، كي تدخل مع الكثرة المشار اليها ،وتكون مقصودا بالخطاب.
و في نفس السورة سجدة ثانية ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77] عند قوله: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.اذ اتباع الشريعة واجب، ولا وصول لمن ليس معه محصول.
والله اعلم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه
ابن المبارك