بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمةَ الزهراء سيدة نساء العالمين،وعلى سيدتنا خديجةَ الكبرى امِّ المومنين،وعلى اله وصحبه اجمعين. قال صلى الله عليه وسلم:”فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي،فمَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي”. (رواه البخاري).بَضعة،بفتح الباء،وحكي كسرها أيضا،وسكون الضاء،أي قطعة لحم.بَضعة مني أي جزء مني.وهوصلى الله عليه وسلم نور،ومولاتنا فاطمة جزء منه، فهي جزء من نور،وبالتالي فهي نور ،ونورها جزئي وذاتي لها رضي الله عنها.
عن المِسْوَربْنُ مَخْرَمة قال:قال رسول الله :“إنما فاطمة شُجْنَةُ مني، يبسطني ما يبسطها،ويقبضني ما يقبضها”.(رواه الطبراني).والشجنة الغصن المشتبك، يبسطه ما يبسطها،ويقبضه ما يقبضها،وكأنها هو، فكل احساسات الذات الفاطمية،تؤثرعلى الذات المحمدية،فهناك اتصال باطني،اتصال الكل بجزءه.وتأثير الجزء على الكل.وعن عائشة رضي الله عنها قالت:ما رأيت أحدا أشبه سمتا ،ودلاَ،وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه (سنن الترمذي)،وقالت :ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم( رواه الحاكم). ورسول الله صلى الله عليه وسلم،هو أفضل الخلائق أجمعين،وعندما يكون أحد من المخلوقين هو أشبههم برسول الله في صفاته،وفي خلقه ،وأخلاقه فهذا،يلزم تميزه،وتفوقه على الآخرين في الكمال،وانفراده بصفات نبوية ليست في غيره.والحديثين الواردين عن عائشة رضي الله عنها يبيان ذلك.وبما أنه صلى الله عليه وسلم أجمل خلق الله،والزهراء رضي الله عنها كانت تشبهه كثيرا،فلا شك انها اجمل نساء العالمين على الاطلاق،ستر الله جمالها بالرزانة والوقار ،وبحجاب النبوة،كما ستر جمال سيدنا محمد .
روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ،فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:مَرْحَبًا بابْنَتي ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ،أوْعن شِمَالِهِ، ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ،فَقُلتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلتُ: ما رَأَيْتُ كَاليَومِ فَرَحًا أقْرَبَ مِن حُزْنٍ،فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قالَ: فَقالَتْ:ما كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ،حتَّى قُبِضَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ،فَسَأَلْتُهَا.فَقالَتْ:أسَرَّ إلَيَّ: إنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ،ولَا أُرَاهُ إلَّا حَضَرَ أجَلِي،وإنَّكِ أوَّلُ أهْلِ بَيْتي لَحَاقًا بي.فَبَكَيْتُ،فَقالَ: أما تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ،أوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لذلكَ.
فكانت أول أهل بيته لحاقا به،لأن الجزء يحن الى الكل.ومن هذه البَضعة النبوية الشريفة، استمرالنسل النبوي،وهي اصغر بناته،والوحيدة من بينهن التي كانت لها ذرية.ولدت عليها السّلام بمكة المكرمة،إبّان بناء قريش للكعبة،وتحكيم سيد الورى صلى الله عليه وسلم،في وضع الحجر الاسعد، وفي ذلك إشارة إلى أنه في الوقت الذي بُني فيه البيت،وتمت لبناته بوضع الحجرالاسعد،تمّ كذلك وضع لبنة التمام لبيت النبوّة،بميلاد البتول عليها السّلام،ومن هذا النسل المبارك كان الشرفاء المطهرون،والعارفون الربانيون .وكون الزهراء سيدة نساء أهل الجنة،يعني ان لها الافضلية والسيادة، عليهم في الدنيا ،في العلم والعمل والأدب والخلق الرفيع،والعبادة ،ومكارم الأخلاق ،والفصاحة والبيان،وخصوصا في القرب من رسول الله صلى الله عليه.والحديث لم يستثني أحدا من النساء فهي أفضل النساء أولين وآخرين. لقبها الزهراء(والبتول)،وأعظم كنية لها هي:”أم أبيها”التي كان يناديها بها صلى الله عليه وسلم،ويقول: مرحباً بأُم أبيها.فكان يحبها لأنها ابنته،وأمه،وبَضعة منه.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً،وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وآله من فاطمة،كانت إذا دخلت عليه رحب بها،وقبّل يديها،وأجلسها في مجلسه،فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به وقبّلت يديه.(ابو داوود،والترمذي،والنسائي).وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا قدِم المدينة مِن سفرٍ أوغزوة دخَل المسجدَ فصلَّى فيه ركعتينِ،ثمّ يذهب إلى بيت فاطمة رضي الله عنها،وأول من يدخل عليه اذا قدم المدينة ،فاطمة(ورواه احمد).
فالقيام للشخص وتقبيل يده،ورأسه من علامات تعظيمه،وإكرامه وشدة حبه.ولم تذكر السيرة النبوية أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم لغيرها، ويقبل يده ورأس غيرها ،بل نهى عن القيام، فمقامها أعظم مقام في مراتب الولاية،وأنوارها أعظم الانوار،في مراتب القرب من سيد الورى.
وهل احد من الناس يقبل يد ابنته ورأسها،ويقوم لها كلما دخلت عنده ؟؟ الناس لايعملون هذا حتى مع امهاتهم فضلا عن بناتهم.كان صلى الله عليه وسلم يقبل يدها ورأسها ويقوم لها،ولا تقول له لا يا أبت،لا تفعل ؟،فأنت نبي الله وأعظم خلق الله ،وأنا أحق بالقيام لك وتقبيل يدك ورأسك،فلا شك ان وراء الحركات،إشارات لا تحتاج الى عبارات،ولا شك أن لها خصوصية ربانية نبوية،و أن هناك خط روحاني باطني،رابط بينهما،تفهم عن رسول الله دون ان يتكلم،سر،لانعرفه وكل ما نعرف،انها أم الحسن والحسين،الذي انتشر منهما النسل النبوي الشريف،وأنها بضعة رسول الله.
قال صلى الله عليه وسلم:يا ايها الناس اني تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعثرتي اهل بيتي.(الترمذي والطبراني)فجل الاغواث الذي ذكرهم تاريخ التصوف هم من ال البيت،اكثرهم حسنيين(ان ابني هذا سيد [الحديث]) أوحسينيين،ولايخفاك دور الاغواث في الكون الاهي وحتى من ليس من ال البيت اذا وصل القطبانية، يصبح ابن الزهراء بالتبني الروحي،فهي أم جميع العارفين ،فلا وصول الى النبي الا بعد المرور من هذا التبني،من(أم أبيها)،فهي ملازمة له، ملازمة الجزء للكل،هو ملازم لها ملازمة الاصل لفرعه.أليست أم ابيها وهو أب المومنين؟.
روى أبو داودعن أبي هريرة،أنه قال :قال رسول الله: ” إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها،ولايستطب بيمينه”(رواه أبود اوودوالنسائي وأحمد). فالانبياء والرسل والاولياء يستمدون من صفاته(النبوة والرسالة والامية)فهم صفاتيون والزهراء ذاتية لأنها بضعة رسول الله،والكل طاهر،وبالتالي فالجزء كذلك طاهر .وكانت رضي الله عنها لا تحيض، فالحيضة تستغرق كل شهر معدل خمسة أيام،وخمسة أيام من كل شهر تعدل 60 يوما في السنة،أي في كل سنة لا تصلي شهرين،واذا كان رمضان منعت كذلك من الصوم ؟ وهذا كثير ولايعقل ممن هي بضعة من النبوة،وشبت وترعرعت في بيت الرسالة.
السالك اذا تدرج في مدارج الكمال،وبلغ المراتب العليا،ينال بذلك كرامات ،وخصوصيات ،تختلف عن غيره،ومن تلك الامتيازات ما تخصه في جسمه فيمكن أن لايغلبه الجوع أوالعطش أوأن يتنقل بخطوة من هنا الى هناك،وهذا الامتياز،بالنسة للزهراء،هي بالاصالة لها غير مكتسبة، هو بفضل انتماءها الى بيت النبوة ،وهي بضعة الرسول الكريم ،وهي أم ابيها،وورثت بعض الصفات النبوية الخلقية والخلقية فهي اشبه بناته به.والحيض يمنع من العبادة ،ومن حضورالملائكة،ومن مجالسة الربوبية (أنا جليس من ذكرني).فكانت رضي الله عنها منزهة عنه،تنزيها ذاتيا لها،فهي قطعة منه صلى الله عليه وسلم.
ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم “إني لست كهيئتكم'” فهو ليس كهيئتنا،والبضعة النبوية ليست كباقي النساء.قال صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: يا حميراء، إن فاطمة ليست كنساء الآدميين، لا تعتل كما تعتلن وفي لفظ آخر: كما يعتللن(مجمع الزوائد،المعجم الكبير) . و أورد ابن عساكروالحاكم ،حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله.قال: إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية”.
ورد في الخبر،أن المولدات قالت:أن سيدتنا فاطمة ،طهرت من نفاسها بعد ساعة لئلا تفوتها صلاة ولذلك سميت الزهراء.فكان لايرى لها دم في طمث ولا في ولادة ،فهي طاهرة مطهرة بنص القرءان(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)،فكما انها رضي الله عنها لا تحيض،فلا تحدث ،ولا تتنخم ،ورائحة جسمها طيبة ،منزهة عن الاقدار والاوساخ الحسية والمعنوية،طهرها الله ، تطهيرا،شاملا .لهذا جاء التوكيد بالمصدر”تطهيرا”،وجاء تابع للإرادة الالهية.ولاشيء يخالف الارادة الالهية.
نالت فاطمة عليها السلام مرتبة السيادة السامية ،لاَنّها بنت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،ولأن الله تعالى اختارها وفضّلها على نساء العالمين ،وأكرمها بما جاء على لسان الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى من الأحاديث الجمّة ،ومن هنا حظيت بمناقب فذّة ومزايا عجيبة .
قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة :ان الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك (رواه الطبراني)ولا يكون غضب الله عز وجل ورضاه مرتبطا بغضب ورضى أحد سوى من اصطفاه الله وطهره،وبلغ مقام العصمة ونزهه عن الخطأ والمعصية ،لأن إذا كان غضبها موافقاً لغضب الله في جميع الأحوال وكذلك رضاها،فهذا يعني أن رضاها وغضبها يوافقان مراد الله في جميع الأحوال،وهذا مقام خارج المقامات. وقد مر بنا ان النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك يغضب لغضبها.ومعنى هذا أن الله تعالى تولاها ،لأن حكم الله سابق لا لاحق،وأخذها عن نفسها،وغطى وصفها بوصفه ،ونعتها بنعته، ففعلها كله لله وبالله،( حتى اذا احببته كنت بصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به…الحديث).
وفي هذا دليل واضح على انها رضي الله عنها معصومة ،ففي خفايا اية التطهير هذه العصمة. وكان زواجها بأمرالله تعالى،وكانت من الخمسة أهل الكساء،عثرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،الذي فرض الله تعالى مودتهم على جميع الخلق:(قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى )،وأوجب التمسك بهم والاقتداء بهديهم،واختصها الله تعالى بقوله في آية (المباهلة : ((فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم).
وخلاصة القول: كانت فاطمة الزهراء أم الحسنيين، متصفة بفرط الذكاء،وبقوة الفهم،وعجيب الادراك تفرغت لطاعة الله .فكانت من العابدات الزاهدات،ملازمة لبيتها، فلم يعرف عنها الا النزرالقليل،فلم تروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بِضعة عشر حديثا.هي رضي الله عنها نسخة نبوية نورانية ذاتية جزئية ،وبهذا فهي من القرب من مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،ما لم يصله احد من العارفين، ومقامها في الديوان حجررسول الله صلى الله عليه وسلم،فلا مساواة بينها وبين باقي أبناءها أقطاب الامة المحمدية ،والذين دورهم في ظهور المقتضيات الكونية لايخفى على أحد.
انفردت رضي الله عنها بمنزلة الخاصة عند من لا ينطق عن الهوى ولايتصرف عن الهوى،فهي بضعة النبي وشجنة النبي،ومضة من نور المصطفى تربت في معهد النبوة وفطرت على خُلقها،وحقيقة النبوة مجهولة عند الجميع، فكذلك البضعة الشريفة مجهولة، فلم يظهر مشربها الا منذ عقدين من الزمان، وسيظهردورها،وعلومرتبتها،وربما سيأتي زمان يحدثنا العارفون فيه،عن الحقيقة الزهراوية،فلربما هي مرتبة محمدية ظهرت صورة وسورة،وربما لها كذلك وجهة حقية ووجهة خلقية،وربما لها دور في ظهور المقتضيات،وإيصال الايمان الى أهله، وإيصال النفحات الربانية والفتوحات الالهية الى اصحابها .وربما هذا الجزء كان ينوب عن الكل في الظهور للاولياء،وربما،وربما…
وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله وعلى الزهراء بضعة رسول الله.
نحن من اهل التصوف ولاعلاقة لنا بالتشيع،وموضوعنا لاعلاقة له بالتشيع، لأن كل من يقرأ كلاما يمدح سيدة نساء العالمين ،يظنون أن صاحبه شيعي.فهذا موضوع عرفاني ذوقي منطقي ،لا أثر للغلو فيه،يقبله كل من له ذوق ويفهم الاشارات ،ويدرك ما وراء العبارات.فكل المومنين لهم حق في حب الزهراء رضي الله عنها (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى).