الحقيقة المحمدية:
تتألف هذه العبارة من مفردتين : (الحقيقة) و(المحمدية).فأما المفردة الأولى فإن معناها العام :هو كنه الشيء وذاته أو كما يقال(ماهيته)،وأما المفردة الأخرى ،فتشير إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،فيكون معنى العبارة كاملة هو :الكنه أو الماهية الذاتية للرسول صلى الله عليه وسلم .
إن هذا المعنى لهذه العبارة يبعدنا – ولو شكلياً – عن الجانب الصوري أوالمظهري للرسول صلى الله عليه وسلم ،ويجعلنا نركز على الجانب المعنوي له،أوالبعد الآخر،ولتوضيح ذلك نأخذ على سبيل المثال(الإنسان) لنرى الفرق بين صورته وماهيته،فلو أننا نظرنا إليه من حيث بعده الصوري أوالمظهري، لوجدنا أنه يتكون من لحم ودم وغيرها ،من الأمور البايلوجية الحية بما تنطوي عليه من عناصر كيمياوية متداخلة،التي يمكن دراستها ومحاولة اكتشاف خصائصها، بواسطة التجارب والاختبارات العلمية أو المعملية،ولكن حين ننظر إلى الإنسان من حيث البعد الجوهري له، الذي خلقه عليه الحق تعالى نجد أنه يتكون من(طين)نفخ فيه (الروح) بحسب ما يصفه لنا كلام الله تعالى .وعلى هذا يكون الأصل الماهوي للإنسان من حيث البعد القرآني هو(الطين والروح) .هذا الأصل الماهوي هو الذي يعبر عنه بحقيقة الشيء أوكنهه،فهو يمثل هنا ما يعرف اصطلاحاً بـ(الحقيقة الإنسانية)،وعلى هذا فما يراد بالحقيقة المحمدية هو : الجانب الماهوي منها لا الصوري المظهري،فما هي الحقيقة المحمدية أوماهوية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟وهل تختلف عن الماهية الإنسانية الاعتيادية ؟ لو عدنا إلى القرآن الكريم الذي أخبرنا أن الماهية الإنسانية تعود إلى(الطين)لوجدناه يخبرنا أن ماهية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،لا تعود إلى هذا الأصل،بل تعود إلى محض النور الإلهي المطلق يقول تعالى(قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ . يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ).فلنتأمل قوله تعالى(مِنَ اللَّهِ نورٌ) والذي يعني أنه نور من نور الله تعالى،تمثل وتجسد بهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم،كما تمثل جبرائيل عليه السلام بهيئة البشر السوي، لمريم عليها السلام .فلا فرق بين تمثل الطين وتجسده بهيئة الإنسان السوي،وبين تمثل النور الإلهي بهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذه هي حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :أنه نور محض تكثف وتجسد بإذن الله تعالى حتى ظهر بالصورة النبوية،في وقت معلوم رحمة للعالمين، وتلطف عن رؤية الأنظار حين انتهى وقت ذلك الظهور حتى عاد إلى حالته المطلقة.انتهى….