العارف محمد بَهاء الدين البيطار(1240_1315هـ
يقول في كتابه الواردات الالهية: فإن قُلت: ما المراد بالإنسان الكامل الذي فسّر الشيخ الأكبر الرّداء بهِ؟ قلنا:هو أول مجلى إلهي ظهر الحقّ به من الكنز المخفيّ،كما ورد في الحديث القدسي: “كنت كنزاً مخفياً لم أعرف،فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق” . فكان المجلى الأول هو: البرزخ والواسطة بين القديم عز وجل وبين الخَلق الحادث،فله وجه إلى النور القديم ووجه إلى الخلق الحادث. وهذا المجلى وردت له أسماء كثيرة، فيُسمّى: بالدرّة البيضاء وبالياقوتة الحمراء وبالزبرجدة الخضراء،وبالقبضة النورانية وبالحقيقة المحمدية،وبالروح الأعظم الذي امتدّت منه سائر الأرواح،ولولا هذه الروح صلى الله عليه وسلم ما كان عرش ولا كرسيّ ولا لوح ولا قلم ولا ملَك ولا جنّ ولا بشر.. وهو الروح المذكور في قوله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة صفّاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً) فالإذن بالكلام هو للروح،فإن شفاعته مقبولة وكلامه لا يُردّ.وإنما سمّاه الروح،مع أنه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم بجسمه وروحه، لأن جسمه روح،ولذلك كان لا يحجُبه شيء،فخلفُه وأمامه واحد،فكان يرى منهما على السواء،وكان يمشي في الشمس ولا ظلّ له،ولا يُرى له أثر سوى الرائحة الطيّبة .. ويُقوّي ما قُلناه: إنه كان يأكل ويشرب موافقة لأهله وأصحابه،وإلا فهو يبيت عند ربّه يُطعمه ويسقيه.فهو الجوهر الفرد النوراني الذاتي الساري بحقيقته النورانية في سائر العالم، أفاضه الله من نوره القديم الذي قال فيه: (الله نور السماوات والأرض). وقد سمّاه الله نوراً من جهة أنه مظهر أحدية الله،فقال: (قد جاءكم من الله نور) أي سيدنا محمد،(وكتاب مبين) أي القرآن..
انتهى
قلت: الشيخ البيطار قدس الله سره، يؤكد على أولية النور المحمدي في الوجود وهو أول مجلى برز من الكنز المخفي وهو واسطة بين حقائق الألوهية والمألوهين له وجهة حقية ووجهة خلقية،حضراته لا تحصى، ولهذا تسمى بعدة اسماء، وكثرة الاسماء تدل على شرف المسمى،وعلى كثرة مهام هذا الواسطة النورانية في الكون إلهي ،ولولاه ما خلق الله الافلاك لأن الحق تعالى من حيث ذاته غني عن المخلوقات ،وغير محتاج لعباداتهم. فهو الروح الكلية الظاهرة، والمُسيرة لكل الدوائر الكونية، محتده الاحدية،مرتبة سحقية محقية ،لا تجل بها باجماع جميع العارفين اصحاب المقامات السنية