أبو محمد صالح دفين أسفي

أبو محمد صالح دفين أسفي

نسبه:
حدث أبو زيد عبد الرحمان بن عبد العزيز بن أبي محمد صالح رضي الله عنهم، ان نسبهم قرشي من بني امية بني عبد شمس من ذرية عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه.
اما في بلاد المغرب فهو من عشيرة بني حي فخذ من أفخاذ بني نصر من قبيل بني ماجر وبنو نصر جميعهم هساكرة.
قال ابن خلدون بني ماجر فريق من دكالة، ان دكالة في ساحة الجبل “الاطلس” من جانب الجوف مما يلي مراكش، الى البحر من جانب الغرب. وهناك رباط آسفي المعروف ببني ماكر من بطونهم كبيت بني امغار، وبيت البوعنانيين، وبيت المشترائيين، وبيت صنهاجة، وبيت بني دغوغ، وبيت رجراجة.
وقد ألف الاستاذ الكانوني في نسب هذا البيت الطاهر كتابا سماه:
البدر اللائح من مآثر آل أبي محمد صالح.
يقول المؤلف: في عهد دولة الموحدين ظهر العالم الصالح الداعية ابو محمد صالح الماجري المتوفى سنة 631 هـ (1) واولاده الشيوخ الائمة، وتلامذته البررة الاطهار، الذين آزروه وساعدوه في نهجه القويم، وعلمه النافع.

بيت أبا محمد صالح الماجري:
يقول الكانوني في كتابه “أسفي وما اليه” صفحة 21 – هذا البيت الجليل القدر. عظيم المنزلة، غني بكثرة رجاله وعظمائه، وناهيك ببيت انجب: مثل الشيخ ابي محمد صالح الماكري صاحب رباط اسفي الشهير المتوفي سنة 631 هـ واولاده الشيوخ الاجلاء الفقيه الامام الخطيب الورع ابو القاسم بن محمد الماجري ثم الازموري من اهل السابعة، والاستاذ المقرئ المفسر ابو القاسم ابن محمد الماجري الازموري ثم الفاسي، نزيلها المتوفى بها سنة 911 هـ والفقيه القاضي ابي عبد الله محمد بن الطيب الماجري العبدي قاضي أسفي وعبدة في صدر القرن الماضي، والاستاذ الفقيه الصالح النفاع الحاج محمد بن رحال الماجري النجاوي العامري ذوي المدرسة الشهيرة، والنفع العميم، المتوفى سنة 1334 هـ ووالديه الفقيهين الفاضلين ابي عبد الله السيد محمد الكبير، وابي عبد الله السيد محمد الصغير حفظهما الله ويقول: لسان الدين بن الخطيب السلماني “في معيار الاختيار” رباط اسفي لطف خفي، ووعد وفي، ودين ظاهره مالكي وباطنه حنفي، الدماثة والجمال، والسذاجة والجلال، قليلة الاحزان صابرة على الاختزان، وافية المكيال والميزان، رافعة للداء بصحة الهواء، بلد موصوف، برفيع ثياب الصوف. وبه قرية الشيخ ابي محمد صالح وهو خاتمة المراحل لمسودات تلك السواحل.
ويقول للشيخ ابي محمد صالح رضي الله عنه زوايا ورباطات بالمشرق والمغرب وهذا الرباط بأسفي هو مركزه الوحيد طار له الصيت في الافاق وشدت اليه رحلات الرفاق فكم تخرج فيه من الائمة الاعلام والشيوخ المرشدين العظام الذين كانوا نجوما يهتدي بهم الانام وقد ظلت هذه الزاوية بأسفي شاغلة فراغا كبيرا طيلة النصف من القرن السادس وكامل السابع والثامن والتاسع على رغم التقهقر الذي كان يسري اليها ضرورة سريانه في جسم الامة الاسلامية عموما وفي الامة الاسفية خصوصا حتى فاتح القرن العاشر الهجري كان سقوطها الاخير بانصباب “البرتغال” على هذا البلاد فانطمست تعاليمها.
ويقول الكانوني في كتابه السابق الذكر:
كان للشيخ أبي محمد صالح رضي الله عنه زوايا ورباطات بالمشرق والمغرب، وهذا الرباط بأسفي هو مركزه الوحيد، طار له الصيت في الآفاق، وشدت إليه رحلات الرفاق، فكم تخرج فيه من الائمة الاعلام، والشيوخ المرشدين العظام، الذين كانوا نجوما يعتدي بهم الأنام، وقد ظلت هذه الزاوية بأسفي شاغلة فراغا كبيرا طيلة النصف من القرن السادس، وكامل السابع، والثامن، والتاسع، على رغم التقهقر الذي كان يسري إليها ضرورة سريانه في جسم الأمة الإسلامية عموما، وفي الأمة الأسفية خصوصا حتى فاتح القرن العاشر الهجري كان سقوطها الاخير بانصباب “البرتغال” على هذا البلاد، فانطمست معالمها وذهبت تعاليمها.
ويقول الكانوني في مؤلفه المذكور ص 95 والظاهر ان الزوايا في المغرب هي المواضع المعدة لارفاق الواردين، واطعام المحتاج من القاصدين، واما الربط على ما هو عليه المصطلح في المشرق. فلم أر في المغرب على سبيلها ونمطها الا رباط سيدي ابي محمد صالح والزاوية المنسوبة لسيدنا ابي زكرياء يحيى بن عمر بسلا غربي المسجد الجامع الاعظم، ولم أر لهما ثالثا على نحوهما، في ملازمة السكان وصفاتهم، وشبههما بمن ذكر نفع الله بهم.
وهناك عشرة كتب ومؤلفات أخرى في التاريخ تشهد على وجود حياة دينية وصوفية ليس لها ارتباط كبير بمذهب الموحدين، ونعني بها كتاب “التشوف” للتادلي الذي يقدم لنا 277 ترجمة لاولياء ومرابطين ومتصوفين الخ.. ونجد ضمن هذه المجموعة اسماء معروفة جدا مثل ابي الحسن ابن حرزهم، ابي شعيب السارية، ابي يعزى =ابي مدين= الرباطات= الرابطات مثل رباطات شاكر، واسفي، وتط، كما يشير الى المدن التي كانت توجد بها حركة صوفية “كاغمات، وازمور، وسلا، وفاس، وغيرها.
هذه الكتب والمؤلفات الصوفية للتراجم فقط كثيرة العيوب؟ لا تهتم في الغالب إلا بحياة الاولياء الشخصية، ولا تبين لنا ما يلزم من الوضوح المركز الذي كان يتمتع به هؤلاء الاولياء في المجتمع؟ ومدى تأثيرهم في البلاد والمجتمع والعلاقة مع الحكم القائم؟
وملخص القول، ان هذه الكتب يكمل بعضها البعض، دون ان تسد الثغرات المهمة وتجيب عن الاسئلة التي يطرحها الباحث في هذا العصر؟
والتي يخرج به الباحث من هذه الدراسات هو التعرف عن الحياة الدينية في عهد الموحدين ولها ثلاث اتجاهات :
1- الموقف الرسمي للدولة، وسنده مذهب محدد يحاول ان يفرض نفسه ونظرياته، وكأنه الدين الحق لا غير، ولكنه كان موقفا مشوبا لا يخلو من مرامي سياسية، ففي نظره الدين والسياسة يتكافآن، ويبرر أحدهما الآخر؟
2- الموقف الواسع الانتشار والذيوع في الاوساط الشعبية، ويتبلور في الاعتماد على المذهب المالكي الذي يفرض العصمة لما عدى الانبياء؟ ويبرهن على ان دعوة العصمة للامام لا تجر الطريق للانتشار الا تحت نفوذ الدولة ومن يشايعها من الحكام المغالطين المغرضين؟ ولن يبلغ غايته في السعة والانتشار كما يريد، بل هو في طريق الانهيار بمجرد تزعزع الحكم والحاكمين، وهذا ما وقع بالذات.
3- الموقف الثالث موقف التصوف والمتصوفين من هذا المذهب الجديد؟ أنه موقف غريب مدهش؟ لقد كان العصر عصر الولاية والصلاح والنفوذ للزوايا والرباطات، ونجد نتائج هذا كله فيما بعد سقوط دولة الموحدين.
قال مؤلف كتاب “انس الفقير وعز الحقير” الشيخ سيدي احمد بن حسن القسنطيني عندما دخل مدينة أسفي رأيت هناك أحفاد الامام ابي محمد صالح. واكبرهم سنا وقدرا الشيخ الصالح المسن الحاج الشهير المعظم ابي العباس احمد بن يوسف حفيد الشيخ، عظيم القدر والجاه. كانت له وجاهة كبيرة عند ملوك عصره من المرينيين كالسلطان ابي الحسن المريني، وولده ابي عنان وغيرهما وكان يتولى امارة ركب الحاج الى بيت الله الحرام تلك الخطة المرسومة لسلفه. ويقول مؤلفه كتاب “نفاضة الجراب” للمؤرخ الشهير لسان الدين بن الخطيب السلماني لما ورد لآسفي عشية يوم الثلاثاء 25 جمادى الثانية 761 هجرية: لما شارفنا أسفي ركب لمقابلتنا والترحيب بنا الشيخ المعظم سيدي احمد بن يوسف حفيد ابي محمد صالح النائم في ظل صيته، وأثير الناس من أجله: رجل آدم اللون، قد تجعل الوخط منه، ذو ذقن كث، جالس السلطان، وقاد ركب الحجاز الى أن قال: عرفتك أبقاك الله بقصدي، وحركة رصدي، لتعلم أن هذه الوجهة لقاؤك أقوى دواعيها، وانجح مساعيها، وبركة الشيخ نفع الله به تلاحظها وتراعيها، والله عز وجل يوفيه مقصوده على بعد المكان، مرجحا في الفضل طوق الامكان مطمئني القلب بذكر الله رطب اللسان الخ..

مولد الشيخ رضي الله عنه ووفاته
حسبما ذكر في كتاب “المنهاج الواضح” لحفيده سيدي أحمد ابن ابراهيم رضي الله عنه 134 – أن تاريخ مولده سنة 550 خمسين وخمسمائة هجرية.
وتوفي ضحى يوم الخميس 25 ذي الحجة الحرام عام 631 هـ ودفن برباطه بـأسفي مسقط رأسه ومسكنه وعشه، درس بالمغرب في أول أمره عن الفقيه الورع الصالح أبي عمران موسى بن هارون السفروطي الماجري، والفقيه الجليل ابي عيسى المغيطي ثم انه رضي الله عنه رحل لبلاد الاسكندرية من القطر المصري، ولازم دروس العلامة الشهير ابي الطاهر اسماعيل بن مكي بن عوف الزهري نحو 20 سنة وأخذ أيضا عن ولديه أبي النجح وأبي محمد عبد الوهاب السلمي، ومحمد الكركري، والفقيهين الاخوين الحضرميين أحمد بن محمد، ومحمد الكرخي، كما أخذ هناك عمن جمع الى الفقه التصوف محمد عبد الرزاق الجزولي، ومحمد المغاوري وابي عبد الله السلوي وغيرهم من العلماء الناسكين والفقهاء السالكين.

مشيخته رضي الله عنه.
أما مشيخته في التصوف فقد نقلها شرف الدين البوصيري الشهير حيث يقول: ان شيخه الذي كان يعتمده هو شيخ الشيوخ في عصره وامام المحققين في دهره ومصره، وأبو مدين شعيب ابن الحسن القلجيري الاندلسي، عن أبي الحسن القلجيري الاندلسي، عن أبي الحسن علي بن حرزهم، عن أبي بكر بن العربي، عن ابي حامد الغزالي، عن امام الحرمين، عن ابي طالب المكي، عن ابي قاسم الجنيد، عن ابي السرى المغلس السقطي، عن ابي فيروز الكرخي، عن داوود الطائي، عن ابي حبيب العجمي، عن الحسن البصري، عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه.

هذا سنده في المشيخة:
وقد قيل انه كان يتعبد “بجبال لبنان”، واتصل بعدة شيوخ كرام هناك، ثم ظهر اعتكافه وقنوته ومجاهدة النفس اللوامة في المغرب، حيث انه رحمه الله ورضي عنه ادرك القطبانية على يد الرجل الفحل سيدي بوزيد دفين شيشاوة، بعمالة مراكش، وانقطع للعبادة والمجاهدة بصومعة سيدي شيكر، بقبيلة احمر ناحية اسفي.
ويقال: ان صاحب الصومعة سيدي شيكر هذا احد اصدقاء الفاتح العظيم سيدنا عقبة بن نافع رضي الله عنه.
ويقال أيضا انه كل ليلة السابع والعشرين من رمضان المكرم يقع اجتماع المجاهدين على التوالي بهذه الصومعة للتعبد والتربية (عن كتاب الاستقصاء).
ويقال: ان الامام البوصيري الشهير رحمه الله بلغ كلفه بحب الشيخ ابي محمد صالح، حتى أنشد قائلا: انه ينتسب لدكالة الماجريين انتساب حب وتعظيم، كما انتسب سيدنا سليمان الفارسي لبيت النبي الكريم صلوات الله عليه.
قال رحمه الله :
وما أنا من دكالة غير انني
نسبت اليهم نسبة الصدق في الحب
كنسبة سلمان لبيت نبيه
وما كان في قبيل منهم ولا شعب،
جزى الله خيرا ملة اخرجتهم
من الناس إخراج الحبوب من اللب
أجل اشتهر الشيخ الكريم ابو محمد صالح بالدعوة لحج البيت الحرام، وزيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام، الدعوة للمؤتمر الاسلامي الاعلى المنظم من فوق سبع سموات الأثر المشهود، والمقام المحمود، حتى مهد له السبيل من المغرب، وكون الركب الحجازي. فكان مهما انتهى الله احد يجعل اهم الشروط لصحبته اياه حج بيت الله الحرام، وبث اصحابه ومريديه في المراكز من مدينة اسفي مسقط راسه الى الحجاز، وجعل ولده عبد العزيز بمصر حتى توفى بها. ثم كان حفيده السيد ابراهيم بن احمد بن ابي محمد صالح بالاسكندرية.
وكان جد ولده العلامة ابو العباس احمد ابن ابراهيم مؤلف كتاب “المنهاج الواضح” في مقدمة الصلحاء الاوفياء لمبادئ جده ابي محمد صالح.
كان اصحابه المنبثون له في المراكز مهما ورد عليهم أحد يريد الحجاز يجعلون له مجالا في المكث بأي بلد يحج ويزور، ثم يمدون له اليد بكل ما لديهم من معونة. ويسيرونه مع القوافل بعدما تجافى ذلك المغاربة لوعورة الطريق وكثافة الموانع، حتى قال قائلهم: ان الحج ساقط على أهل المغرب؟
فقام الشيخ أبو محمد صالح وأصحابه لمحاربة هذه المغالة الصادمة، لهذا الركن الاسلامي العظيم، فبذلوا جهودهم في الحث على الحج وتيسير ذلك على الناس، وبث الاصحاب والمريدين وتيسير ذلك على الناس، وبث الاصحاب والمريدين في المراكز ليأخذوا بيد الضعفاء، ويعينونهم على سلوك الطريق الى الاماكن المقدسة، حتى يبلغوا الامنية من أداء الفرض الواجب ويفوزوا بالاسرار المودعة فيه.
يقول المؤلف الكانوني في تآليفه السابقة الذكر: صفحة 99 رباط الشيخ ابي محمد صالح رضي الله عنه المتوفى سنة 631 هـ كان للشيخ عدة زوايا ورباطات بالمشرق والمغرب، وهذا الرباط باسفي هو مركزه الوحيد – وقد أتى غرس الشيخ في هذه المهمة، وفتح على يديه سلوك طريق تلك الاماكن المقدسة.
وكان اولاده واحفاده وتلاميذه على هذا المنوال، في كل مكان مبشرين بالدعوة لحج البيت الحرام، حتى تكون الركب الحجازي رسميا في الدولة المغربية له قائده وقاضيه. وكان اولاده الشيخ واحفاده يتولون قيادته ورئاسته رسميا.
كانت طريقته جمعية اسلامية للتبشير بأرقى نظام كافل للنجاح، تحبب للناس الحج وتسهل عليهم الطريق وتزودهم بالزاد والمعونة والحراسة والتوعية، فما اوسع نظر هذا الشيخ، وما اكثر غوصه في فلسفة التشريع؟ وفي صفحة 146 نجد المؤلف الكانوني ينقل بالنص.

في عهد السعديين
في عهد السعديين ظهر رجال من هذا البيت الكريم، في مقدمتهم العلامة ابو موسى بن محمد الماجري الاسفي، وحفيده الامام الخطيب ابو اسحاق ابراهيم بن محمد المتوفى سنة 1071 هـ والعلامة الصدر الخطيب ابو عبد الله محمد بن ابراهيم الماجري الاسفي يحذون حذو جدهم، ويقتدون بعمله المبرور المشكور.
وقد ذكر بعضهم انه يوجد للشيخ ابي محمد صالح زوايا وتكايا بالمشرق والمغرب وبكافة بلاد افريقيا، بلغت على حد تعبير بعضهم 46 زاوية. كلها معمورة بالاشخاص والمريدين، شغلهم الشاغل هو خدمة الحجيج، وتسهيل مهمته، وقطع الطريق الوعر الموحش بهم في امن وامان، الامر الذي يدهش من يؤرخ لهذه العصور التي كانت الطرق مجهولة ! ومخوفة، وموحشة! وقاتلة، كانت زواياه وثكناته مزودة بالزاد والاعوان والانصار الذين يستسهلون كل الصعاب ويقربون كل بعيد ويحلون كل المشاكل ويطمئنون الارواح والاموال والعرض والانفس – وتذهب الوفود في راحة بال وطمأنينة، ونصر من الله وعون وعناية ولقد حاولت الحصول على معرفة هذه المراكز بكل دقة غير انني لم اتوفق! وسألت عدة باحثين خبراء في الموضوع فمل وقفت على جواب يصح، ولو بطريق خفي، نعم لا زلت اذكر انني كنت في احدى الجلسات الاخوية نتجاذب اطراف الحديث حول الصوفية والصوفيين مع الاخ العزيز الاستاذ الحريث سيدي المنتصر الكتاني، فافاض القول: في تعداد الطرق وتسلسلها العقائدي وحتى الجغرافي كسلسلة الذهب، فسمعت منه المدهش، وارجوه، على بعد الدار، ان كانت لديه معلومات في ان يجود بها النشر على صفحات المجلة الاسلامية “دعوة الحق” تكميلا لهذا البحث الذي لا يزال غير تام في نظري، رغم ما نقلت فيه من مراجع عامة، ونقل مؤتمن، ووضوح وشروح وتعاليق.
ومنذ ظهور هذا الداعية المسلم الصالح المصلح، وبيته يحظى بالاجلال والتعظيم والتقدير والاحترام، فالظهور زمان الموحدين، وتبعهم المرينيون، ثم السعديون حسب ما سبقت الاشارة اليه، ثم جاء دور دولة العلويين الشريفة فاهتم ملوكها جميعا بهذه الاسرة المبشرة بفضائل الاسلام، والمساعدة القوية على تادية ركن عظيم من اركانه طيلة قرون وقرون، يتناقلون هذه المبرة عظيما اثر عظيم، وكريما اثر كريم.
ونجد بين يدي ابناء هذا البيت العظيم، العديد من الظهائر الملكية الشريفة، منذ اقدم العصور وبالأخص من ملوكنا العلويين الاشاوس تعلن التقدير والتكريم والاجلال لهذه الزاوية المباركة وابنائها وحفدتها حتى يوم الناس هذا.
ويصعب على أي كان ان يأتي على نشر كل ما ورد، ونكتفي منها بظهير شريف صدر عن اذن جلالة الملك الحسن الاول قدس سره، وقد اخذ الرحلة شخصيا لزيارة الضريح المؤسس على هدى من الله لرجل اوقف نفسه وماله وما ملكت يمينه على صنع المعروف، وتخليد منقبة تعظيم شعائر الاسلام، ويقف القارئ على نص مؤرخ به ربيع الثاني عام 1292 هـ بعد الطابع الشريف والحمد والتصلية(2).
ولا ابالغ اذا ما ذكرت عناية ورعاية سلالة هذا الملك الهمام، وابناءه واحفاده على التوالي بأبناء هذه الزاوية المنشأة على تقوى من الله ورضوان، كما لا نغفل طاعة ومحبة ابناء هذه الشجرة المباركة ابناء المرابطين الاخيار للملوك الاجلاء على السواء، وكامل عنايتهم واحترامهم وتجمعهم بالزاوية المباركة كلما حل ركاب الملك الهمام بمدينة اسفي، وهذا ركاب سيدنا المنصور بالله الحسن الثاني حفظه الله وسدد خطاه، عندما حل بمدينة اسفي بمناسبة تأسيس “المعمل الكيماوي”، بها بادر رجالات هذا البيت باقامة عدة احتفالات وابتهالات الى الله في حرم جدهم الصالح ابي محمد صالح رضوان الله عليه، فختموا سلكا من كتاب الله والشفا للقاضي عياض والامداح النبوية وصالح الادعية المرجو من الله قبولها، ان يحفظ جلالته واسرته، وان يوفقه لصالح البلاد والعباد ويكون له وليا ونصيرا.
وللتاريخ سجل نص رسالة روحانية قدمها ابناء هذا البيت الكريم لجلالة المولى الحسن الثاني بمناسبة زيارته الكريمة الميمونة وتتضمن رغبات ابناء الشيخ من همة الملك الهمام وهذا نصها وهي مسك الختام لهذه الترجمة، وفاء لصاحبها وتقديرا وتمجيدا لمن خدم الاسلام.

بالله الاشهر، ذي الكرامات الواضحة والبراهين اللائحة، والسعي الناجح، سيدي ابي محمد صالح نفع الله ببركاته آمين- حكم ما بايديهم من ظهائر اسلافنا الكرام قدس الله ارواحهم. ونعم في عليين اشباحهم، المتضمنة تعظيم حرم جدهم المذكور وتوفيره وتبجيله وتكريمه، وزدناه تعظيما على تعظيم، وتكريما على تكريم فلا سبيل لمن يخفر فيه ذمة، او ينتهك فيه حرمة، ومن آوى اليه، فلا يلحق بمكروه، او يسام بسوء في كل الوجوه، تاسيا بسيرة صالح سلفنا في ذلك، واقتداء بهم في السير على نهجهم الذي هو احسن المسالك، وتعظيما لما امر الله سبحانه بتعظيمه، فمن دخله فقد اجزاه ومن كل سوء منعناه.
ومن اكتنفته حدود الزاوية المعلومة لا سبيل لاحد عليها، ولا يخشى الا الله تعالى حسبما ذلك مقرر مثبت معتبر، الا من ارتكب محارم شنيعة، وقبائح فظيعة، واجهر بالعصيان وتعدى حدود الرحمن، فمن التعظيم الاسراع الى أخذه، وتطهير تلك الساحة منه، فإن تلك الزاوية المباركة زاويتنا، ونحن أعرف بفضلها وبركتها وأولى الناس بتعظيمها واحترامها، تجديدا تاما يعلمه الواقف عليه ويعمل بمقتضاه ولا يتعداه والسلام صدر به امرنا المعتز بالله تعالى في ثاني ربيع الثاني عام 1292هـ.
2- الحمد لله وحده
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
مولانا صاحب الجلالة والمهابة أمير المؤمنين مولانا الحسن الثاني ايده الله ونصره
يتشرف أحفاد الولي الصالح سيدي أبي محمد صالح دفين مدينة اسفي بتقديم كتابهم مقامكم العالي بالله زاده الله رفعة وتقديرا.
مولاي ان اسلافنا كانوا دائما متعلقين بعرش اسلافكم المنعمين وبعروته الوثقى متمسكين ومفتخرين، فكان ذلك الحب والاخلاص باعثا على التفات المولوي الكريم من لدن اسلافكم الطاهرين قدس الله روحهم، الشيء الذي جعلهم يولون اكبر اهتمامهم لسلفنا، وينشرون عليهم اردية رضاهم الفاخرة، وكثيرا ما كانوا رضي الله عنهم يبعثون بأوامرهم المطاعة المتضمنة في الظهائر التي كانوا يسلمونها لحفدة الشيخ أبي محمد صالح يحثون فيها عمال الدولة الشريفة وخدامها على احترام احفاد الشيخ وتوقيرهم بل كانوا في بعض الاحيان يحثون العمال والولادة ان صدر منهم شيء يمس بكرامة الاحفاد المذكورين او يتسبب في ضياع حق من حقوقهم الخاصة او العامة، كما هو مسطر في عدة ظهائر شريفة لا زلنا محتفظين بها – ولله الحمد- وهي في محل عناية واجلال واكبار ومكانة اكبر، يرجع عهدها في الدولة العلوية الشريفة –ابقاها- الله الى عهد مولانا الرشيد – وقد اعتز بها اسلافنا واعتبروها ذخيرة نفيسة توارثها الخلف عن السلف، ولا زلنا نعتز بها نحن كذلك ايما اعتزاز، فكان آخر ملك المجموعة الكريمة الفاخرة هو ظهير جدكم الاكرم مولانا يوسف نور الله ضريحه.
وقد فاتنا والاسى والحسرة تملا قلوبنا ان هذه المجموعة الفدة ينقصها جوهرة فريدة يا حبذا لو نظمت في ذلك العقد الفريد، لزدنا بها اعتزازا وافتخارا، ولكن لم نحسب للزمان زمانه ولم يدر بخلدنا ان المنية ستخطف فجاة من بالمهج والارواح لو شاءت لفديناه بها من غير تردد ولا مشورة ولكن شاء الله سبحانه ولا مرد لمشيئته ان يختار الى جواره ابن الوطنية منقذ الشعب المغربي من ربقة العبودية ومذلة الاستعمار مولانا محمد الخامس رضي الله عنه وارضاه وجعل في اعلى عليين مثواه مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين آمين. فكانت كارثة عظمى ارتجت لها اركان المغرب من اقصاه الى اقصاه، وخسارة لولاكم لم تعوض.
اجل لقد ترك فينا رضي الله عنه – خلفا صالحا وابنا بارا ناصحا حنونا، فكان خير سلف لخير سلف، فالله يبقيكم ذخرا وذخيرة وملجأ لشعبكم الوفي عامة ولحفدة الشيخ ابي محمد صالح خاصة آمين.

(1) – ويعد هذا العصر 580-658 من ازهر عصور المغرب الموحدي، ويصفه المؤرخون بانه أنضر حقبة في تاريخ الموحدين، فقد تميز بالاستقرار والهدوء، وانتشار الامن حتى كانت الظعينة تخرج من بلاد “نول” فتنتهي الى “برقة” وحدها لا ترى من يعترضها أو يعرض لها، ولا من يسومها بسوء كتاب الاستقصا ص 117.
وتميز ايضا بالرخاء والرفاهية والبهجة. فكانت ايام المنصور كأيام ابيه يوسف عبارة عن أعياد واعراس ومواسم لم ير اهل المغرب اياما قط مثلها، كما يقول المؤرخ عبد الواحد المراكشي الذي عاش فيه اهـ.
كانت الدولة الموحدية في أوج عظمتها وقوتها، وكانت رفعتها تمتد من حدود مصر الى التخوم المجاورة للمماليك المسيحية بالأندلس.
(2) – الحمد لله وحده الله وليه الحسين بن محمد بن عبد الرحمن.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد واله وصحبه
يعلم من كتابنا هدا اسماه الله وشرف قدره، واعز بجلاله امره، اننا بحول الله وقوته وشامل يمنه وبركته، جددنا لحملته المرابطين الاخيار، الاجلة الاطهار، حفدة الولي العلامة الاكبر، العارف
منقول عن موقع وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية المغربية

حصل المقال على : 1٬329 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد