هو الأول والآخر

المواقف الاحمدية

قيل لأبي سعيد الخراز بماعرفت الله:قال بجمعه بين الاضداد ثم تلا(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُوَ الْبَاطِنُ)يعني أنه عرفه بأسمائه المتجلية في الوجود،فكما لها مقتضيات جمالية في الكون الالهي ،فهي كذلك متصفة بالجلال،لذا كانت الواو فاصلة بين(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)والتي تفيد المغايرة .فأولية الحق تعالى هي عين أخريته،وظهوره تعالى هو عين بطونه،من حيث أنه واحد،من جميع الوجوه ولاكلام لنا عن الذات الإلهية، فلا يصح أن يكون الله من حيث ذاته أولا لنا،أو نكون تابعين لأوليته،ونكون شفعا لأحديته،تعالى الحق سبحانه عن ذلك علوا كبيرا.إنما الكلام عن مرتبة الألوهية فالاول والأخر، اسماء إلهية،وهي تفيد ترتيبا راجعا على دائرة الواحدية،وهذا المُدرك عزيز المنال يتعذر تصوره على من لا أُنْسَةَ له بالعلوم الإلهية كما تقول عبارة الشيخ الأكبر ابن عربي.

هذا المفهم الرقيق هوالذي جعل الملائكة تعقب وتقول(قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) لعدم معرفتهم بمقتضيات الأسماء الإلهية،وكأن هناك فاعلا غيرالله في كونه،وكأن خَلْقَ آدم سَيُظهر في الكون أشياء لا يريدها الله تعالى،وكذلك قولهم (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)لاخصوصية لهم فيه، فالكون كله يسبح(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّيُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ)فرد عليهم الحق تعالى (إنِّي أَعْلَمُ مَا لاتَعْلَمُونَ).لايعلمون أن كل ما يظهر في الوجود هو منوط بتجليات الأسماء الإلهية،فلا يظهر في العالم شئ لايريده الله، فلولا الأسماء المتضادة مقتضياتها ،لتعطلت الكثير من الدوائر الكونية،ولو لم يكن المذنب،لكان اسمه تعالى التواب، عديم المقتضى والفعالية،وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوابِينَ)غير سارالمفعول،ولو لم يكن هناك أهل الكبائر لما صح قول نبينا صلى الله عليه وسلم :شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي” فجميع ما في الكون إنما هو آثار الأسـماء الإلهية، ظهرت في المخلوقات على وفق مراد الحق سبحانه وتعالى، ونحن نسميها أحداث، ووقائع ،وأفراح،وأتراح. وأمراض … (إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ)،(قُـلْ كُلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ).

فما من شئ في الوجود إلا وهو تابع للتجليات الإلهية.ولاشئ خارجا عن مراقبة الله وقيوميته(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)(القمر) ..(وَمَاتَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّايَعْلَمُهَا وَلَاحَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَارَطْبٍ وَلَايَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (الانعام) الورقة،عندما تسقط من شجرة هي في علم الله .وهل تسقط من تلقاء نفسها ؟ أم بقضاء وقدر؟ .

عن ابي هريرة رضي الله عنه، جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية ،فقال يارسول الله إن عليَّ رقبة مومنة، أفأعتق هذه؟ فقال لها صلى الله وسلم،أين الله؟ فأشارت الى السماء.فقال لها من أنا؟ فأشارت إلى رسول الله ثم الى السماء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها فإنها مومنة (رواه أبو داوود).

وعن أبي رزين رضي الله عنه ،قال قلت :يارسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض ؟قال صلى الله عليه وسلم كان في عما ،مافوقه هواء ،وماتحته هواء،ثم خلق العرش على الماء(رواه الترمذي وابن ماجة).
و أداة ” أين”تستخدم للسؤال عن المكان،والحق سبحانه وتعالى ،هو خالق المكان والزمان ،سبحانه لا يحده مكان،ولا يقيده زمان.كيف يكون الخالق محتاجا الى مخلوق هوخالقه.هو سؤال عن الكينونة، ولا يقع إلا على دائرة الألوهية حيث(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)وحيث ظهرت الألوهية، بوجهة خلقية،فاتصفت بالضحك، والاستهزاء، والهرولة، والمكر والكيد….. قال تعالى(وَهُوَالَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ وَهُوَالْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)(الزخرف)(وَهُوَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِى ٱلْأَرْضِ(الانعام).فهو موجود في كل أين،بلا كيفية ولا أين.
فتجليات الأسماء الإلهية هي الفعالة في الوجود،وكل اسم ناصية المخلوق بيده،هو رب له، والحق تعالى غني عن المكان وعن الزمان (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)( الشورى).

يقول ابن العريف في محاسن المجالس :
رأيت ربي بعين قلبي ● فقلت لا شك أنت أنتا

أنت الذي حُزت كل أينٍ● فحيث لا أينٌ تَمَّ أنتا

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عرض التعليقات (1)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد