صلحاء المغرب المدفونين بمصر

أولياء مصر الصالحون المغاربة

التواصل الشعبي بين مصر والمغرب. -1- أولياء مصر الصالحون المغاربة
عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ
مجلة دعوة الحق:
العدد 244 جمادى 1 1405- يناير 1985
مدخل :
حظيت في الموسم الماضي، بسماع المحاضرة القيمة التي ألقاها في المركز الثقافي المصري بالرباط، الأستاذ الزميل ” السيد محمد العربي الخطابي”، عن (مصر والمغرب: خواطر وذكريات) وقد شاءت له أريحيته الأصيلة أن ينظر إلى الموضوع من وجهة تأثر الأهل المغاربة بمصر، وحبهم لها وتقديرهم لعطائها علما وفكرا وأدبا، ولو قد قال إننا أهل مصر نذكر للمغرب جميل ما أسدي إلى الإسلام وأمته، دينا ولغة وعلما وحضارة، لصدق ولصدق. أما وقد تحثم من قولها، يتقى مظنة المن علينا بذلك، فمن الحق علي أن أصل الحديث بما أعلم من عطاء المغرب لمصر، ولتاريخ الإسلام وعلومه بوجه عام. وهو موضوع رحب المجال متشعب الجوانب سخي المادة، أمضيت في خدمته ثماني سنين دأبا، وما استوعبته. ويجوز عليه أن أبتره في بحث موجز لا يتسع لغير ملتقطات منه مخطوفة، وذلك ما لا يهون علي ولا أحاوله، فليكن حديثي عن التواصل بين مصر والمغرب، مدخلا إلى الموضوع الكبير الذي أرجو أن أفرغ لإنجازه إذا يسر الله تعالى وأعان.
حين أرتو إلى ما بين مصر والمغرب من تواصل جميم، لا أتعلق فيه أخذ وعطاء، أو تأثر وتأثير، على نحو ما يجرى على النمط المألوف لتناول مثل هذا الموضوع، فالذي بيننا أكبر من أن تحصره حدود وتعريفات ومصطلحات، وإنه ليبدو للرؤية الصافية موغلا في صميم وجودنا الشعبي، غير خاضع لمثل ما تخضع له العلاقات بين الدول والحكومات، أو المنظمات والأحزاب، بعضها وبعض، من إتفاقيات مكتوبة ومعاهدات مسجلة وبنود محددة، عرضة للتغيير والتبديل والإلغاء والنسخ، تبعا لضغط النوازل وخضوعا لحكم الضرورات وتغير النظم والمواقف، وتقلب الرياح والتيارات … من ظواهر التواصل بين مصر والمغرب، ما يبدو للرؤية القريبة من تشابه بين المجتمع التقليدي الأصيل والبيئات الشعبية، هنا وهناك في الأزياء: الجلاب المغربي والجلابية البلدي، والطاقية والشال والعمامة، والسلهام والعباءة، وفي الحلي التقليدية للمغربيات وبنات البلد المصريات، وفي الأثاث والمتاع: المكاحل والمرايا، والكنب البلدي والصندوق، والطست والإبريق والقفف والطواجن والأوعية الفخارية، والفوانيس ومواقد التدفئة… ونحو ذلك مما لا أتجاسر على بسط القول فيه، ولست من أهل الخبرة به.
وظواهر أخرى أدق ملحظا، في أنماط متشابهة من السلوك والأعراف والتقاليد والعادات، وفي أمثال وأغان شعبية متماثلة أو متقاربة، معبرة بلا ريب عن تقارب في سجيه الشعبين ومنطقهما الفطري، وموروث التجارب وأصيل القيم…
وذلك أيضا ما أتركه لذوي الاختصاص والدراية باللهجات المحلية والأمثال والفنون الشعبية أي البلدين أثر، وأيهما تأثر؟
أي بلدينا أعطى، وأيهما أخذ؟
لا يشغلني من ذلك ما يشغل أصحاب الدراسات الاجتماعية الحديثة، بنظرياتها وأجهزتها ومراجعها، ومنطق تفسيرها لنفسيات الشعوب وسلوك الجماعات، فالتواصل في رؤيتي لواقعنا وتاريخنا ليس معادلة من تبادل التأثر والتأثير، ولا مقاصة بين أخذ وعطاء، بل أخذ مساره في نفسية الشعب وضميره العام، استجابة تلقائية لعوامل معنوية ومؤثرات روحية ووجدانية، قد يغضب منها أصحاب النظريات المحدثة، المنتمون إلى مدارس ومذاهب غربية.
وتركيزا للنظر، إلتفت في التواصل الاجتماعي إلى أوليائنا الصالحين وقرائنا الشيوخ وعلمائنا الفقهاء، لما لهم في شعوبنا من نفوذ اجتماعي واتصال مباشر وثيق بالجماهير، دون أن يغيب عن بالي ما لغيرهم من أثر في حياتنا يعرفه الخاصة من الدارسين ويدركه المثقفون والمعلمون، قدر من هذا التواصل، مشترك بين الشعوب الإسلامية بوجه عام، بحكم ما يجمعها من وحدة الدين شرعة ومنهاجا، ووحدة التاريخ وجودا ومصيرا.
مع هذا القدر المشترك، تواصل حميم وفريد بين مصر والمغرب، على بعد الديار، لا أعرف له مثيلا بين أحد البلدين وأقرب جيرانه، باستثناء السودان.
فلنتجاوز الرؤية السريعة القريبة للعوامل الجغرافية والنظريات الجاهزة في فهم نغسيات الشعوب والجماعات، إلى ما هو أعمق غورا وأقرب إلى واقع التاريخ ومنطق الفطرة.
* * *
ودون إيغال في ماضي تاريخنا قبل الإسلام، نذكر أنه من القرن الهجري الأول، تواصلت الأجيال من المغاربة بأهل مصر، في الرحلات السنوية إلى الديار المقدسة كلما أهل موسم الحج الجامع للمسلمين كافة على تباعد أوطانهم وتفاوت أجناسهم وألوانهم وطبقاتهم، في هذا اللقاء السنوي الجامع كانت مصر مدخل الإسلام إلى إفريقية والمغرب كله، ومنطلق كتائب الفتوح الكبرى التي حملت اللواء الأغر إلى أقصى المغرب. وفي تلك الكتائب كان أمراء من الصحابة، رضي الله عنهم، نزلوا بمصر، وجند ممن نزلها من التابعين ومن مسلمة الفتح أهل مصر.
من الجبهة المغربية، كان الاحتشاد والتعبئة لفتح الأندلس بقيادة ” طارق بن زياد البربري” وفي جند الفتح عشرة آلاف من البربر، مع بضعة آلف من الجند المشارقة.
في ذلك اللقاء الكبير تحت راية الإسلام، اتصل المغاربة بأهل مصر عصر الفتح في القرن الأول للهجرة، وما أعقبه من وفادات مستمرة إلى المغرب، من القادة والأمراء والقضاة والقراء والفقهاء، مرورا بمصر.
ثم كانت مصر، دون سأئر أقطار المشرق الإسلامي، هي بالضرورة مجاز الحاج المغربي إلى الحجاز ذهابا وأوبة. وإنها بمزاياها الطبيعية – أيام كانت على ما وصفها به عمرو بن العاص في كتابه إلى أمير المومنين عمر، رضي الله عنهما (1) – بحيث تغرى الحاج المغربي بإطالة المقام فيها، وبخاصة في طريق الإياب بعد قضاء مناسك الحج. وفيهم طلاب علم يحرصون على لقاء علماء الإسلام والعربية بحواضر المشرق، فربما شدوا الرحال من الحجاز إلى الشام والعراق وخراسان وما وراء التهر، وربما حالت موانع دون مد الرحلة، ووجدوا لدى أهل نصر ما سبقوا إلى حمله من علماء الحواضر الإسلامية بالمشرق، وهي إلى مصر أقرب، على ما يستفاد من أسانيد السلف من علماء المغرب إلى الكتب الأصول الأمهات، أخذوا الكثير منها من طريق حملتها الثقات الأثبات من أهل مصر

حصل المقال على : 1٬513 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد