شرح الصلاة 43

من خبيئة الأسرار الأحمدية في الصلاة على المحمدية
قال شيخنا العارف بالحقيقة المحمدية الأزلية الأبدية في هاته الصلاة النعتية المباركة:(اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا ومولانا محمد،النور الفاصل بين حقائق الألوهية،وحقائق العبودية. برزخ بين الرب والمربوب.نائب الحق ولسانه،والدال عليه. فلامشاهدة إلا له،وصفه الحق بما وصف به نفسه،ونفى عنه المماثلة.فلا تقع الرؤيا إلاعليه،هو الظاهر في المظاهر”مَن راني فقد رآى الحق “ومن ادعى رؤية الذات الإلهية فإنما كُوفِح بتجلٍّ من الروح الكلية وراء حجاب البرزخيةالمحمدية ﴿وماكان لبشرأن يكلمه الله إلا وحيا أو من ورايٕ حجاب﴾﴿ولا يحيطون بشيء من علمه﴾ومن لا يُحاطُ بعلمه فكيف يحاط بذاته.هيهات هيهات﴿ومايعقلها إلاالعٰلمون﴾وصحبه وسلم)
وهذا بيان لتفصيل ما أُجْمِلَ فيها :
النور الفاصل بين حقائق الألوهية،وحقائق العبودية
أصل النبوة نورٌ إلهيٌّ حقي، لكن لها تعيُّنٌ بشريٌّ خَلقي،هذا ما نُسميه في مشربنا الفاطمي المنيف أعلى الله مناره بالوِجْهة الحقّية والوجهة الخَلقية. فسيدنا و مولانا محمد ﷺ فباعتبار وجهته الحقيّة،هو حقٌّ محضٌ (مُحَمَّد وَهُوَ ٱلۡحَقُّ) (من رآني فقد رآى الحق)،نورٌ إلٰهي بارق من الصفة الأحدية ( الله أحد الله الصمد) وهي صفة لا تجلي لها في الكون ولا تقتضي سواه ﷺ ،فهو ﷺ مِنْ ثمَّ حقٌّ جاءَ مِنَ الحقِّ تعالى لإبلاغ أمرالحق للخلق (قَدۡ جَاۤءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُوا۟ خَیۡرا لَّكُمۡۚ )(إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِیرا وَنَذِیرا)و لايقوم مقام الحق سبحانه إلا الحق ﷺ. وسيدنا ومولانا محمد ﷺ بما هو نورٌ مُصْطَحِبٌ ببساط الألوهية الجامع لكل الأسماء والصفات الإلهية لأنَّ له معها مُجانَسة ﷺ ، فمن باب الإستلزام أن يكون جامعا لحقائق الألوهية،متحققا بها عارفا لها ،لذلك تجد الكثير من الآيات و الأحاديث تصرح تارة و تشير تارات إلى خصوصية سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ من كونه حقا مفارقا للخلق(إني لست كهيئتكم إني ابيت عند ربي يطعمني و يسقين)،وهذا الوقف من القران في سورة ال عمران اية 35(مني إنك أنت)، ومن هاته الوجهة الحقية قال ﷺ :(كن) الواردة في الحديث(كن اباذر فكان. كن ابا خيثمة فكان) ،ومن هاته الوجهة الحقية أخبر أنس بن مالك قال: دخل النبي حائطا للأنصار ومعه أبو بكر،وعمر رضي الله عنهما في رجال من الأنصار قال: وفي الحائط غنم فسجدت له،فقال أبو بكر: يا رسول الله؛ كنا نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم فقال: «إنه لا ينبغي في أمتي أن يسجد أحد لأحد، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». وبحكم الوجهة الخلقية لسيدنا محمد النبي ﷺ ، أي باعتباره عابدا لله قبل ظهور المخلوقات وتعيُّنها الصوري (قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَد فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَـٰبِدِینَ) وعابدا لله في ظهوره البشري مولودا من أم و أب طاهرين، سيدنا عبد الله و مولاتنا آمنة عليهما السلام ،فهو ﷺ أُقِيمَ مقام الحيطة بكل حقائق العبودية: فهو عبد الله المطلق المحض ،لأنه أول مَنْ أسلم لله ،و قام الليل حتى تفطرت قدماه، و جميع ما قام به مِن افعال تشريعية كلها فيها رحمة وتخفيف بالعباد لأنه عبد كامل ،محيط بحدود الطاقة والجهد الإنساني الذي ظهر به قالبه البشري الشريف وقد قال شيخنا نفعنا الله به (الذات المحمدية متصفة بكل الصفات الحقية وخلقية، مستوعبة لكل فضيلة في الوجود صورة ومعنى،حُكما وعينا،غيبا وشهادة،ظاهرا وباطنا. انما كان صلى الله عليه وسلم يتظاهر بأوصاف البشرية لكي لا يعبد من دون الله)،وإلى نفس المعنى أشار العارف سيدي محمد الكتاني رحمه الله في صلاة مولانا طه ﷺ (فَمَا أَكَلَ وَلاَ شَرِبَ وَلاَ جَامَعَ إِلاَّ لَنَا. فَلَوْ لَمْ يَاكُلْ لَعَاشَ. وَلَوْ لَمْ يَشْرَبْ لَسَاغَ طَعَامُهُ الأَلَذُّ وَرَيّاً مَاشٍ).

برزخ بين الرب والمربوب
الرب هو السيد والمُعيل والقائمُ بكل شؤون مَن يُعيلهم،وفي اللغة يقال رب الأسرة و العائلة،بهذا المعنى فسيدنا ومولانا محمد ﷺ هو رب العالمين جملة و تفصيلا،ومهام الوساطة البرزخية التي اضطلع بها صلى الله عليه وسلم باعتباره رحمة للعالمين،تستلزم قيامه بين الحق والخلق ليقوم بوظائف الإعالة و التربية للعالمين،فجميع القسائم و الحاجات والعطاءات و الأقضية سلمها الحق تعالى له ﷺ والشواهد في القران المجيد والحديث الشريف كثيرة، نكتفي منها بالآية﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم﴾، ﴿قَضَى اللَّهُ﴾فعل ماض واسم الجلالة فاعل كما يليق بجلاله ﴿وَرَسُولُهُ﴾ معطوف على اسم الجلالة والعطف في حقيقة الأمر هوالإصطحاب في بساط الألوهية ..القضاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ازلا ،إرادة الحق تعالى سابقة لا لاحقة ،فاعلة لا منفعلة،والامر يعود إليها بدءا وعودة،اولا واخرا ” إليه يرجع الامر كله”..وسيدنا ومولانا محمد ﷺ بحكم الاصطحاب والخلافة الكونية ،هو المسير للدوائرالكونية وبالتالي له دورفي القضاء(قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ)قضاء غير معلول بكسب كاسب ،فهو ليس منفعل ..فافهم يا أُخيّ قدرنبيك العظيم صلى الله عليه وسلم (ما﴾ استئناف ونفي ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص ﴿لِمُؤْمِنٍ﴾﴿وَلا﴾﴿مُؤْمِنَةٍ﴾نفي يشملهما ﴿أَنْ﴾﴿يَكُونَ﴾ مضارع ﴿لَهُمُ﴾﴿الْخِيَرَةُ﴾حسْم الأمر فلا خيار لمخلوق مربوب فيما سبق به القضاء الالهي.لانه قضاء محتومْ،ويد النبوة قاسمة لكل عطاء مقسومْ واحسب الجملة (قضى الله) بحساب الجُمّل: تجد النبوة ثمة حاضرة: اذ حسابها هو 19 مضروبة في 14.. 19 هي طلسم النبوة على عدد حروف البسملة و 14 هو جُمّل إسمه تعالى وهاب ..فما من عطاء الا وهو وهب إلهي،قسّمته النبوة وأوصلته لمستحقيه.. ففي حقيقة الامر ما ثم إلا عطاء إلهي قائمٌ ،و برزخ محمدي قاسمٌ… فَأَیۡنَ تَذۡهَبُونَ.؟؟؟ حيثما ذهبتم لا تجدون الا المولى محمدا ﷺ بلباس الاسماء الالهية ؟ وهذه البرزخية المحمدية قائمة في الدنيا و الآخرة . إنَّ تَحقُّـقَ سيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ بأسماء الحق تعالى وصفاته باعتباره خليفته في الكون ورحمته للعالمين وقيامه ﷺ بحق الربوبية وإعالة المربوبين وفق ما قلّده الله سبحانه من مقاليد تصريف المملكة الكونية و خزائنها، كل ذلك من مظاهر نيابته ﷺ عن الله تعالى في القيام بالخلافة العظمى عنه سبحانه. ولئن كان القرآن المجيد صرّح في الكثير من الآيات بأنّ الله تعالى جعل سيدنا ادم عليه السلام خليفة (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَة )و(جاعل) في حق الله تعالى استمراري، وكذا سيدنا داوود عليه السلام (یَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَة فِی ٱلۡأَرۡضِ )وجعل غيرهم خلفاء(وَٱذۡكُرُوۤا۟ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَاۤءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوح وَزَادَكُمۡ فِی ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَة) (وَٱذۡكُرُوۤا۟ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَاۤءَ مِنۢ بَعۡدِ عَاد وَبَوَّأَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ)،فإن هؤلاء المستخلفين ليسوا إلا نوابا عن سيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ باعتباره الخليفة الأعظم لله في العالمين،فمن شروط الخليفة أن يستمر زمن استخلافه لمن استخلفه،وهاته الإستمرارية التي بدؤها الأزل وصيرورتها إلى الأبد ليست بمستطاع أحد إلا لواحد الكون ويتيم العالمين ورحمتهم ﷺ. قال ﷺ من رآني فقد رآى الحق،وهذا من جوامع الكلم في اللغة وفي المعارف التي كُنِزَتْ تحته، فالحق تعالى وهو الذات العلية، له كمال الغنى عن الخلق (إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) (سُبۡحَـٰنَهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ) (فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ)،لكنه أقام حبيبه وعبده ومصطفاه ﷺ مقام النيابة عنه :فما من وصف اوإسم يقال في جناب الله تعالى إلا وسيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ متحقق به مصطحب معه ،والقرآن المجيد كله قائم شاهد على ذلك التحقق و الإصطحاب: فظهر الخليفة المطلق ﷺ بالبيعة، ،والإتباع والمحبة ،والغنى والفضل، والإستجابة،والرضى ،و الإنعام:
• فشاهِدُ أخذ البيعة المطلقة له (إِنَّ ٱلَّذِینَ یُبَایِعُونَكَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ ٱللَّهَ) .
• وشاهِدُ الاتباع والمحبوبية العظمى له (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِیم ).
• وشاهِدُ اتصافه بالغنى والفضل(ومانقموۤا۟ إلاۤ أنۡ أغۡنىٰهم الله ورسولهۥ من فضۡلهۦ)(ولم يقل من فضلهما).
• وشاهِدُ اتصافه بالإستجابة (إستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم”(ولم يقل إذا دعوكما ).
• وشاهِدُ الرضى منه(یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِیُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَحَقُّ أَن یُرۡضُوهُ إِن كَانُوا۟ مُؤۡمِنِینَ) (ولم يقل يرضوهما).
• وشاهِدُ إتصافه بالإنعام (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه) .
• وشاهِدُ اتصافه بالقضاء والحكم حلاوعقدا سبق التنصيص عليه،فهو ﷺ يقضي بقضائه سبحانه و يتحدث بلسان أمره سبحانه ويحكم بحكمه،لذلك كانت طاعة هذا النائب المطلق من طاعة من استنابه سبحانه، فاقتران طاعة الله بطاعة رسوله ﷺ جاءت ما يفوق العشر مرات (قُلۡ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ) (وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ)، بل إن الحق تعالى نسب كلامه لهذا النائب عنه ﷺ فقال(إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُول كَرِیم )القرآن قوله ﷺ و القرآن فيه كل شيء،وكذلك من صدر القرآن على لسانه له الحيطة و العلو و العظمة ﷺ من أجل ذلك كله،كان سيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ هو العبد البشر الحقاني الكامل المطلق الدال على الله سبحانه،وكان من كمال دلالة العبد الكامل المطلق ﷺ على المعبود المطلق سبحانه،أنه بيّن لهم عبادة الله المعبود كيف تكون بكل التفاصيل(رَسُول مِّنَ ٱللَّهِ یَتۡلُوا۟ صُحُفا مُّطَهَّرَة)

فلامشاهدة إلا له نيابة سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ عن الحق تعالى ليست فقط في تصريف أحكام الحق على الخلق وفي قسمة العطاءات الإلهية عليهم،بل إن النبي ﷺ قام مقام الحجاب الأعظم بين الخلق والحق،وهذا من كمال رحمته بهم،لو تركهم في مواجهة الحق لأهلكتهم سبحات وجهه العظيم سبحانه(عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: “إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام،يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل،حجابه النور،لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)..و انتبه لكلمة (حجابه)،احسب جُملها تجده العدد 19 وهو مطابق لعدد حروف البسملة فهي طلسم سيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ..و انتبه لكلمة (النور)فهي من أسماء وصفات سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ ( قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُور)،وحجابيته وبرزخيته ﷺ القائمة بين الحق سبحانه و بين الخلق كما قامت في زمن الدنيا الفانية،هي قائمة في زمن الآخرة الباقية، فرؤية ربنا تعالى في الآخرة متعلقة بمرتبة من مراتب الحقيقة المحمدية العلية ، والحق سبحانه و تعالى،من وراء ذلك لايُدرك و لايُرى غني عن العٰلمين، فافهم ترشد و سلم تغنم .لذلك قال العارف فيما بعد (فلا تقع الرؤيا إلاعليه،هو الظاهر في المظاهر*من راني فقد رأى الحق ).

وصفه الحق تعالى بما وصف به نفسه،ونفى عنه المماثلة

تقدم آنفا أنَّ ما مِن إسم أو صفة الهية إلا وسيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ تسمى بها و اتصف بها وتحقق و تخلق وهذا مسمى الإصطحاب عند السادة المحققين من عارفي المشرب الفاطمي رجال الحضرة المحمدية قدس الله سرهم، ومع حقانيته الكاملة ﷺ فهو العبد الكامل لله سبحانه،هذا الجمع بين الأضداد ليس إلا لسيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ فهو الفذُّ الأوحدُ في الكون ذاتا وصفاتا (ما عرفني حقيقة غير ربي)،العقل البشري لن يستوعب رشحة من بحر عظمته ﷺ والحيرة لن تنتهي،لذلك خوطب المومنون بالتسليم لأحكامه شريعة ،والتسليم لامر كنهه حقيقة(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا)،وما قال الحق تعالى ( سلموا سلاما)،و رحم الله العارف البوصيري حين قال :
أعيا الورى فهم معناه فليس يـرى
في القرب والبعد فيه غير منفحـم
وقول العارف(نفى عنه المماثلة) يعني أن ثمة اتصالا فرقيا،فرغم حقانية سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم و صِلته بربه تعالى،فإنّ ثمة فرق،فالرب رب ،والعبد عبد،فافهم ترشد . (فلا تقع الرؤيا إلاعليه) سبق ايراد شرحها فالنبوة المحمدية نائبة عن الحق تعالى في الظهور للخلق،فهو مجلاه ،و لله تعالى الغنى المطلق.
أما قول العارف الكريم(هو الظاهر في المظاهر) فيشير إلى عصارة معرفية رقيقة تكتنزها الآية ( فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ )،والمعنى: أولا– أن سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ هو مجلى الظهور في كل ظاهر، فالنبوة نور والاشياء كلها ظلمة،لولا وصول ذلك النور للعين الرائية ما استطاعت إدراك الصور المرئية ،فبنور النبوة استطاعت خلائق الكون رؤية ذواتها و رؤية ما في هذا الكون من مظاهر حولها،فهنا اثبات وساطة النبوة في إدراك ملكة الرؤية الاشياء التي نراها في الكون. ثانيا – النبوة تظهر في صور المخلوقات..أي أن المخلوقات ما هي إلا صور لجمال النبوة و إبداعها،إلى هذا المعنى أشار العارف سيدي عبد الحي الكتاني قدس الله سره بالقول( لَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ صُوَرٌ عَلَى عَدَدِ المُومِنِينَ تَحْرُصُ إِيمَانَهُمْ. وَتَمُدُّ عَوَالِمَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ الإِيمَانِ.عَرَفَ ذَلِكَ أَهْلُ الإِيقَانِ)،فالكون كله مُسبّح لله،عابد لله، مومن به بفعل سريان رحمة النبوة فيهم جميعا، و إن شئت فقل أنّ للخلائق نسبتان إثنان إلى سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ:

1-نسبة إيجاد: فبه ﷺ كان إيجادها،لأنه ﷺ هو هيولاها وعلة خروجها من عدم لوجود عيني.

2-نسبة إمداد: فبه ﷺ كان إمدادها،لأن المدد الواصل منه ﷺ إلى المخلوقات هو مظاهر رحمته بهم(وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ)(إنما الله يعطي و أنا القاسم) فهو قاسم للأمداد،ومن قسم لك فقد اعطاك كما يقول شيخنا نفعنا الله به .

ومن ادعى رؤية الذات الإلهية فإنما كوفح بتجل من الروح الكلية وراء حجاب البرزخيةالمحمدية﴿وماكان لبشرأن يكلمه الله إلا وحيا أو من ورايٕ حجاب
الذات العلية سبحانه له الغنى المطلق،والرؤية التي جاءت في القرآن المجيد ،متعلقة بالربوبية لا بالألوهية،والقوم العارفون أهل الحضرة المحمدية المحققون لما يجب لها من عظمة مراتبها،ينفون ادعاء رؤية الذات العلية ، وكان الله في عون ساداتنا المشايخ والسالكين،إذ النبوة المحمدية شأن إلهي كامل العظمة وجليل القدر،لذلك فالقائل بالرؤية من رجال الله ممن مضى او ممن يأت يُرْحم ضعفه و يُعذررحمهم الله ،فما رآى إلا شأنا من شؤون تجليات الروح الكلية لسيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ ،وقد علمنا أنه لايحيط بمراتبه وحضراته وشؤونه ﷺ أحد سوى الله، فهوﷺ الحجاب الأعظم القائم بين الحق والخلق،أعاليهم و أسافلهم و الآية صريحة فلا جدال (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤىِٕ حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیم) هذا في مطلق الكلام …فما بالك في خصوص الرؤية!!!؟ ثم اورد العارف الآية ﴿ولايحيطون بشيء من علمه﴾معلقا (ومن لايحاط بعلمه فكيف يحاط بذاته)وهذا أبلغ في الاستدلال في هذا الباب المنيع وختم باستحالة جواز الرؤية للذات العلية سبحانه بإشارات قرآنية (هيهات هيهات)﴿ومايعقلها إلاالعٰلمون﴾،والحمد لله على سيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ حمدا به يليق ، هو ﷺ نعم المولى ونعم الرفيق والحمد لله رب العٰلمين. الاستاذ ابن الفاطمي.

حصل المقال على : 291 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد