بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العٰلمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العٰلمين،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين، وعلى آله وصحبه اجمعين.
قال العارف بالحقيقة المحمدية الاحمدية الازلية الابدية:
[ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا ومولانا محمد، الذي خُلُقُهُ القرءان،دستور الكون الإلهي﴿كان ذٰلك في الكتٰب مسطورا﴾هوذِكْرُنا وذِكْرُ مَنْ قَبْلَنا.شرائعُهم جزئية مقيَّدة.من أحمديته أخذوا، وبوساطتها استمدوا،هم نوابه (والله لوكان موسى حيا،ما وسعه إلا أن يتبعني)فرسالته عامة﴿وما أرسلنٰك إلا كافة للناس﴾فهو كائن قبل العالمين،وسيد العالمين،والخلائق كلهم تحت حكمه(ادم ومن سواه تحت لوائي)(كنت نبيا وادم بين الماء والطين)”كنت”ومازلتُ.فالرحمة صفة،لا بد لها من الموصوف بها،فلا مبرر لوجود النبوة إلا بوجود مقتضاها﴿حتىٰ إذا كنتم في الفلك وجرين بهم﴾ وصحبه وسلم ] .
فنقول بمدد من مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الذي خُلُقُهُ القرءان ) :هذا نعتٌ مِن أجَلّ النعوت وأجْمَعِها وأدلِّها في الثناء على جلالة الجناب العظيم لسيدنا ومولانا محمد النبي ﷺ،واستهلال العارف صلاته بهذا النعت علاوة على ذلك أدبٌ منه رفيع،فهو إتيان للأمر من بابه، لأنه نعتٌ صَدَر مِن بيت النبوة على لسان أم المومنين مولاتنا عائشة الصديقة بن الصديق رضي الله عنهما،وأهل بيت النبوة أدرى برب البيت ﷺ وهُمْ أعلم من غيرهم بكماله و جماله و جلاله ﷺ، ففِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وأبِي داوُدَ والإمامِ أحْمَدَ والدّارِمِيِّ وابْنِ ماجَّةَ والنِّسائِيِّ «عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامٍ قالَ قُلْتُ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ أنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَتْ: ألَسْتَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلى قالَتْ: فَإنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ كانَ القُرْآنَ» ،و انظر لكمال معرفة مولاتنا أم المومنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما وتمام الأدب منها مع زوجها سيد الوجود ﷺ، فما قالت ( كان خلقه “مِن” القرآن)،فلا تبعيض لكمال النبوة، حاشا، بل قالت (خُلُق نَبِيِّ اللَّهِ كانَ القُرْآنَ) .
ثم انتبه لدقة وصف مولاتنا أم المومنين عائشة الصّدّيقة رضي الله عنها، فما قالت« خُلُقُ رسول الله»،بل قالت (خُلُق نَبِيِّ اللَّهِ )،إشارة أنَّ النبوة والقرآن وِجْهتين لشأن عظيمٍ واحد، فالنبوة قرآن و القرآن نبوة،محمد أحمد ،هو أحمد محمد ﷺ،وقد وصف الحق تعالى خُلُق حبيبه ﷺ بالعظمة (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِیم) .
بعدها قال العارفُ[دستور الكون الإلهي﴿كان ذٰلك في الكتٰب مسطورا﴾ ] ، إذ ما من شيء ،إلا وهو موجود في القرءان مسطور فيه،عَلِمه مَن علمه وجهله من جهله (مَّا فَرَّطۡنَا فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مِن شَیۡء)، لذلك فالوجود بكل دوائره الكونية هو من مقتضى القرءان.
الدُّسْتُورُهوالدفترُ الذي تُقيّدُ فيه أسماءُ الجند ومرتَّباتهم وأحوالهم،وهو في الاصطلاح عصرنا : مجموع القواعِد الأساسية التي تُبيِّن شكل الدولة ونظام الحُكْم فيها ومدى سلطتها إزاءَ الأَفراد،واصل الكلمة راجع إلى اللغة الفارسيّة،بمعنى “صاحب قاعدة”او سيادة،وهي كلها من معان احتواها القرآن المجيد الذي هو صفةٌ و خُلُق لسيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ ، فهوالذات الجامع لما كان و ما يكون.
ثم قال شيخنا نفع الله به [(هو ذِكْرُنا وذكر من قبلنا…)] أي أن القرآن هو الذّكر (ذَ لِكَ نَتۡلُوهُ عَلَیۡكَ مِنَ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِیمِ) ،قال تعالى ( قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیۡكُمۡ ذِكۡرا رَّسُولا)وهذا الوقف اقترن فيه الذكر بالرسالة، فالرسول ﷺ هو الذِّكرِأي القرآن ،القرآن خُلق النبي ﷺ أي صفته، و صفته هي مناط ذِكرنا وهجّيرنا،ومعلوم أن الذّكر أيضا معدود ضمن أسماء سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ،فكلمة «ذِكر» التي تكررت ما يفوق الستين مرة في القرآن المجيد ،يُعطي حساب جُمّلها العدد 920 أي 92 مكررا عشر مرات ، والعدد 92 دالٌّ على الاسم الشريف محمد ﷺ وقد كان مِن أوراد بعض الأولياء الاكابر رضي الله عنهم ترديد هذا الاسم الشريف لوحده ،كما وقع للشيخ سيدي محمد أبي الفيض الكتاني في بداياته، فإسمه الشريف ﷺ ذِكْرٌ يَرفعُ و ينفع و يدفع ،كيف لاوالحق سبحانه أمر المومنين بذلك في صريح الآية (لِّتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَة وَأَصِیلًا)، فمن انشغل بالذكر أي قراءةً للقرآن وصلاة وتسليما على النبي ﷺ رُفع مقامه لرفعة ما يذكر،فإن كان الذكر(نبوة و قرآنا) شأنه الرفعة ( وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ) ، فإن الذاكر لهذا الذكر يرتفع مقامه لرفعة مذكوره و قد قيل (وللأرض من كأس الكرام نصيب).
أما قوله حفظه الله(وذِكر من قبلنا) فمعلوم أنه ما خلت الكتب السابقة ولا الشرائع السماوية من الإشارة إليه ﷺ بإسمه و نعته وحِليته و التذكير بمجيئه ، فسيدنا عيسى عليه السلام بشّر به (وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُول یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِی ٱسۡمُهُۥۤ أَحۡمَدُ) وكذا سيدنا موسى عليه السلام بشّر،فقد كان اليهود يستفتحون بآخر نبي سيبعث وهوسيدنا محمد ﷺ ويستفتحون بكتابه الكريم ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ ،فاليَهُودَ كانوا إن قاتلوا المشركين من أهل المدينة في الجاهلية اسْتَنْصَرُوا عَلَيْهِمْ توجها الى اللَّهِ ببعثة الرَّسُولَ المَوْعُود بِهِ في التَّوْراةِ، ﴿فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا﴾أيْ ما كانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ من الكتاب و صاحب الكتاب الَّذِي عَرَفُوهُ بنعته و صفته (كَفَرُوا بِهِ)،فهو كان ﷺ ذكرا و مذكورا عندهم ، بل كان قِبلة لدعائهم، به يستفتحون ويستنصرون .
ثم قال العارفُ [شرائعهم جُزئية مُقَيَّدة] والمعنى أن سادتنا الأنبياء و الرسل الكرام عليهم السلام جميعا شرائعهم مرتبطة بأزمان بعثتهم، فرسالاتهم مُعارة عرَضية، لأن صاحب الرسالة المطلق الأصلي هو سيد الوجود ﷺ صاحب الأمانة العظمى،وقال نفع الله به [مِن أحمديته أخذوا،و بوساطتها استمدوا ] الأحمدية هي القرآن (وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم ) فمن مظاهر هيمنة القرآن إستمداد كل الكتب السابقة منه .
ثم قال [هُم نوابه] أي أنّ ساداتنا الرسل و الأنبياء عليهم السلام ،أقامهم الحق تعالى في منازل النيابة عن خليفته الأعظم ﷺ في كل عصر و مصر ،قياما بالحجة على الناس و إقامة للقسط و عبادة لله حيثما وُجدوا ( وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَیۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَیۡكَۗ )و قد قال سيد الوجود ﷺ(والله لوكان موسى حيا،ما وسعه إلا أن يتبعني)، ولله در القائل :
كل النبيين والرسل الكرام أتوا
نيابة عنه في تبليغ دعـواهُ
فهو الرسول إلى كل الخلائق فـي
كل العصور ونابت عنه أفواهُ
لذلك فرسالته ﷺ عامة شاملة مُطلقة (وما أرسلنٰك إلا كافة للناس)( قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُمۡ جَمِیعًا)لأنه ﷺ رسولٌ لجميع الناس ،والانبياء والرسل مِن جملة الناس ،رسولٌ مبعوثٌ لكل الرسل و نبي لكل الانبياء،وكما كان القرءان خُلُقَه ﷺومعجزتَهُ الكبرى التي أعجزت الجميع ،فهو ﷺ كذلك أعجز وأحاط بالجميع، وبقي الجميع حائرا أمام عظمة النبوة الموصوفة بوصف القرآن( ما عرفني حقيقة غير ربي) والموصوف لا يفارق صفته،وهذا مِن معاني الإصطحاب في مشربنا الفاطمي المحمدي أعلى الله مناره.
أما إيرادُ العارف للآية الكريمة (هَـٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِیَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِیۚ) فهو في سياق الإستشهاد بأنَّ القرءان المجيد كما هو ذِكْرٌ لهذه الأمة المحمدية التي بعث إليها النبيﷺوعلى آله، بهيكله الشريف المولود من أم وأب،فهو أيضا ذِكرٌ لمن سبقه في الظهور من الأنبياء والرسل عليهم السلام ،لذلك قال العارف أنَّ شرائعهم جزئية ،مقيدة ،متناهية الحكم،مندرجة سابقا في أحكام رسالته الأحمدية الأزلية، فكل الشرائع من أحمديته استمدت و عليه اعتمدت، لأن القراءن كلي،بينما التوراة،والإنجيل،وصحف نوح،وصحف إبراهيم، والزبور،هي أبعاضٌ منه، لأن مُطلقَ الهيمنة هو للرسالة الأحمدية وهي مسمى القرآن في مشربنا المنيف.
ثم قال جزاه الله عنا كل الخير وأغدق الله علينا من ثمار معرفته [فهو كائنٌ قبل العالمين،وسيدٌ العالمين ]،وهي إشارة لمبحث من أعظم حقائق النبوة عند القوم،وهي حقيقة أقدمية النبوة وسيادتها على الكون جملة و تفصيلا، قال تعالى (قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَد فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَـٰبِدِینَ )، والمعنى كما سمعناه من شيخنا نفع الله به « أنك كُنت لي عابدا ولم يكن معي غيرك»، إذ لو كان لله ولد لكنتَ عرفته و أنت في مَهامِه القِدَم ، فهو ﷺ أول العابدين، وهاته الأولية في العبادة تستلزم أن يكون ﷺهو أول المخلوقين،لانه ما مِن مخلوق إلا وهو يعبد الله و يسبحه، بل إن الحق المعبود سبحانه أقام عبده الأول المُطلقﷺ مقام الشهادة على باقي العبيد المُسبّحين(أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّیۡرُ صَـٰۤفَّـٰت كُلّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِیحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ) ..(أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُسَبِّحُ لَهُۥمَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ)..هذا سؤال للنبوة و الجواب ضمنا فيه شهادة النبوة على الخلائق في عملهم العبادي الذي لاينقطع منذ الخلق إلى يوم القيامة،وعمل النبوة الشهادي مرتبط ببدء الخلق و نهايته ، وهذا مِن مظاهر سريان رحمته فيهم و من حِكم إرساله إليهم (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ)..وقال الحق سبحانه في الآية ( تبٰرك الذي نَزِّل الفرقان على عبده ليكون للعٰلمين نذيرا ) وهي تُفيد أقدمية سيدنا ومولانا محمد النبي العظيم صلى الله عليه و سلم في الوجود،أليس الفرقان الذي نزّله المولى سبحانه على النبوة ليكون للعٰلمين نذيرا: من المفروض أن يكون المُنزَّلُ عليه =النبوة حاضرة موجودة قبل وجود العٰلمين!؟؟
ثم قال نفع الله به [والخلائق كلهم تحت حكمه ﷺ (ادم ومن سواه تحت لوائي) (كنت نبيا وادم بين الماء والطين) (كنت) ومازلتُ ] :أي أنَّ حُكْمَ النبوة للكون هو حُكْمَ مُطلق نافذ ،بشاهد الآية (فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیما)، ومن يتولى القضاء لاريب يتصرّف في مصائر المتقاضين الماثلين أمامه ، فانظر لسعة قضاء النبي ﷺ و مطلق حكمه الذي أولاه الله تعالى له في كونه، فهل يتولى القضاء من لاحُكم له في الكون و لاتصرف ؟ ام يتولاه من اعطاه الحق تعالى مصائر خلقه وأجرى مفاتح الأسماء الإلهية على يديه يتصرف بها كيف يشاء على مراده تعالى؟..
وانظُر كيف نفى الحق تعالى الإيمان(لَا یُؤۡمِنُونَ) عمن لا يُحَكِّمُ سلطان النبوة في أموره،بل انظر كيف شدد النفي بايراد القسم (فَلَا وَرَبِّكَ) ، بل انظر كيف أرْجَعَ الخطاب لجناب النبوة (وَرَبِّكَ) ليكون الإقسام به مبرورا في صيغة المتكلم الحاضر الشاهد ، و انظر كيف قرَن الربوبية بكاف الخطاب الموجه للنبوة، ثم احسب جُمّل (وَرَبِّكَ) تجد عدده يشير لسور القرآن(114) مكررا مرتين وهو العدد نفسه الذي يفصح لك عن طلسم النبوة 19 مضروبا في العدد 12 على عدد البروج والأشهر،ليدُلّك من طريق الباطن على سرمدية القَسَم ، تماما كسرمدية المُقْسَم به ﷺ ،وانظر لفعل (یُحَكِّمُوكَ) تجده فعلا مضارعا يفيد التجدد و الإستمرارية ،و المعنى : أن سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ كان و لا يزال و سيبقى حاكما عدلا،قاضيا للمصائر، قاسما للعطاء الإلهي ، بل انظر كيف نبّه الحق تعالى أن الجميعَ أمام حضرة النبوة : ينبغي أن يرضوا بقسمتها و قضائها بينهم،لأن النبي ﷺ هوالقائم بإسم الله المعطي والمُغني،والمتردّي اصطحابا بكل الأسماء و الصفات الإلهية ، ضرورةَ أنه خليفةُ الله على العالمين و رحمته المرسلة منه تعالى إليهم ،فالحق مع غناه عن خلقه،لم يتركهم هملا ، ولا جعل أمورهم تمضي سبهللا، بل أدخلهم تحت حكم رسالته ﷺ ومقتضى خلافته وسلطان وَساطته، فكانت كل معاملات الخَلْق في الحقيقة مع هذا القاضي المطلق الحكم العدل المتصرف “الوَسيط البَرْزَخي” ،وإذا كان الأمر كذلك ،فوَجَب أن يكون هذا الحكم القاضي الرحيم ﷺ موجودا، كائنا قبل وجود العالمين أنفسهم، وسيّدا للعالمين الواقعين تحت مطلق حُكمه ﷺ ..
أليس هو ﷺ رحمة للعالمين (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ) ؟
فالرحمة صفته وهو موصوف بها،وافق الإسم المسمى ، و اصطحبت الصفة بموصوفها كما تقدم ،لذلك قال المحقق (فلا مبرر لوجود النبوة إلا بوجود مقتضاها).
ثم قال العارف [“كنت”و مازلتُ] أي أن سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ نور إلهي ،شأنٌ مُطلق ، لايتغيربالأزمنة ولابسواها،بل هو محيط بالأزمنة والأمكنة و ما اجمل و أرقى ما قال صاحب دليل أسرار و حقائق بين معشوق وعاشق(فالعلوم قطرة من بحره،والأسرار حفنة من يمه، والحكمة ضغمة في إبطه،والأزمنة ساعة من دهره)الصلاة 105، وحاشا جناب سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ أن تحصره نسبية العقول او أن تحدّه بنات الأفكار أو أن تحجره التوهمات أو أن يحيط به إدراك ، فكُنه سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ و حقيقته منزهة عزيزة مصونة أن يعلمها غير الله تعالى، فهوﷺ من وراء تلك الحُجرات كلها، وهذا من كمال رحمته ﷺ بالخلق و رأفته بهم (إِنَّ ٱلَّذِینَ یُنَادُونَكَ مِن وَرَاۤءِ ٱلۡحُجُرَ ٰ تِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ) فالحمد لله على سيدنا محمد النبي ﷺ حمدا به ﷺ فهو عين الحمد لله و مجلاه ،والشكر لله به ﷺ فهو العابد الشاكر لمولاه ،حمدا و شكرا يجعل قلبنا سليما هنا و يوم نلقاه ﷺ ،ويكرمنا بالجمع بهﷺ بلا فرق فنسعد بقربه و نظرته و قُبلته وحضنه و تبسمه ورضاه ﷺ بحق بَضعته الطاهرة فاطمة الزهراء التى تُحنى لها الجباه، وحرمة بعلها مولانا الامام الغالب علي وريحانتيها الحسن و الحسين ذوي القدر الجلي والسلطان والجاه،و الحمد لله رب العٰلمين. الفقير الى عفو ربه ابن الفاطمي.
حصل المقال على : 172 مشاهدة