بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد سيد الانبياء والمرسلين وعلى مولاتنا الزهراء سيدة نساء العالمين وعلى سيدتنا خديجة الكبرى أم المومنين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما قال استاذنا العارف بالحقيقة المحمدية الأحمدية الأزلية الأبدية نفعنا الله به: (اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي يُتْلَى القُرْءَانُ مِنْ مَنْبَرِ أَحْمَدِيَّتِهِ، وَعَلَى مُحَمَّدِيَّتِهِ يُقْرَأُ﴿وَمَاتَكُونُ فِي شَأن وَمَاتَتلُواْ مِنهُ مِن قُرءَان﴾﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلقُرءَانَ مِن لَّدُن حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ حَيْثُ لَيْسَ إِلاَّ الْمُخَاطِبُ الأَوَّلُ،وَالْمُخَاطَبُ الأَوَّلُ،فَحَمِدَ اللهَ بِلِسَانِ جَمْعِ الجَمْعِ،قَبْلَ القَبْلِ﴿ٱلحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ﴾.فَسِرُّ الرُّبُوبِيَّةِ ظَهَرَ فِيهِ وَمِنْهُ*يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لاَتَدْعُونَ أَصَماً، وَلاَ غَائِباً إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْنَاقِ رِكَابِكُمْ *رَبَّاهُمْ، وَعَرَّفَهُمْ بِخَالِقِهِمْ، وَعَلَّمَهُمْ عِبَادَةَ رَبِهِمْ،فَهُوَ العَارِفُ،وَالمُعَرِّفُ، وَالمُعَرَّفُ، وَقَائِدُ الكَوْنِ، وَالشَاهِدُ عَلَيْهِ،وَشَفِيعُهُ، وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ). : الَّذِي يُتْلَى القُرْءَانُ مِنْ مَنْبَرِ أَحْمَدِيَّتِهِ،وَعَلَى مُحَمَّدِيَّتِهِ يُقْرَأُ ﴿وَمَاتَكُونُ فِي شَأن وَمَاتَتلُواْ مِنهُ مِن قُرءَان﴾ يُتْلَى:جاء الفعل بصيغة البناء للمجهول؟ العارف اقتفى سرالآية التي بعد ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلقُرءَانَ مِن لَّدُن حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾حيث جاء فيها الفعل(لَتُلَقَّى)أيضا مبنيا للمجهول.﴿لَتُلَقَّى﴾فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر،تقديره:أنت،وجملة تُلقَّى خبرها،والقرآن مفعول به ثان،و اللام للتوكيد ،تَلقِّي القرآن منه إليه صلى الله عليه وسلم،يفيد ألا وجود لواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام وبقيَتْ كيفية تلقي النبوة للقرآن (دون وجود واسطة)مجهولة عزيزة الادراك ،لأن سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم هو واسطة بين الحق والخلق،والقرآن كلام الحق،ولاوجود لواسطة بين الحق تعالى و نبيه صلى الله عليه وسلم قبل القبل ولابعد البعد،وأين كان العالمين (والامين جبريل عليه السلام مخلوق من جملتهم) حين تلَقَّتِ النبوةُ المحمديةُ الفيضةَ القرءانيةَ منه إليه في مهامه كنزية الأزل؟ فما ظهرتْ وساطةُ الامين جبريل عليه السلام إلا لِحِكَمٍ إلهية بالغة ،مِن بينها أنْ يظهر سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم بمظهر كمال العبودية مُتستِّرا بالبشرية ،فهو صلى الله عليه وسلم مرسل رحمة للعالمين،فمن باب اولى وآكد أن يكون له صلى الله عليه وسلم الشفوف والعظمة عليهم،لأنهم تحت رحمته ومنها تُنال عطاياهم ومن يده تصل قسائمهم،وانتبه لضمير الخطاب﴿وَإِنَّكَ)الذي يشعرك بالحضورالمطلق كما قال استاذنا في الصلاة 81 من خبيئة الأسرار(لِأَنَّ القُرْءَانَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الأَحْيَانِ الأَزَلِيَّةِ،مِنْ الذَّاتِ، لِلذَّاتِ، بِالذَّاتِ ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلقُرءَانَ مِن لَّدُن حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾﴿إِنَّـكَ﴾المـُشْعِرَةَ بِالحُضُورِ،وَالفَهْوَانِيَّةِ،مِنْهُ إِلَيْهِ﴿لَتُلَقَّى﴾ دُونَ وَسَاطَةِ الْمَلَكِ )،و قد بقي هذا القرآن المُتلَقّى مخبوءا في سرأحمديته صلى الله عليه وسلم إلى أن ظهرت في قالبها البشري الشريف بدليل الآية﴿وَلَاتَعجَل بِٱلقُرءَانِ مِن قَبلِ أَن يُقضَىٰ إِلَيكَ وَحيُهُ﴾ . و أمرثانٍ يُنْبئُ عنه بناء الفعل للمجهول في الفعل( يُتلى):إذ يشير إلى وصف عظيم من حقائق النبوة ، مفاده أنّ سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم رغم الإجماع على جلالة قدره وعليِّ شأنه ، فمعرفتنا به صلى الله عليه وسلم هي على صعيد قدرنا الدَّنيّ، لاعلى جليل قدره العَليّ ،فهو المعلومُ قدرًا ،المجهولُ كُنْهًا وشأنًا،والعالمين وعلى رأسهم اهل التكليف،ليس لهم في بساط المعرفة به صلى الله عليه وسلم إلا الجهل بعيْنِه وانعدام الحيطة حول حقيقته وأيْـنِه،فكما استحال علينا معرفة حقيقته وكنه ذاته صلى الله عليه وسلم ،استحالت علينا معرفة أحواله وصفاته، إذ الخلق كلهم مناط النقص،و سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم ذو صاحب الكمال المطلق،فهيهات أن يحيط الخامل الناقص ،بمن له صفة العظمة و الكمال صلى الله عليه وسلم نعم ،الشريعة الحنيفية السمحاء أَجْمْلَتْ صفات الخَلق الظاهر المحمدي وبيَّنتْ أحوالَ بعضٍ من الباطن و الخُلُق المحمدي،لكن تفاصيل تلك الصفات و الأحوال ضُربت حولها سرادقات العزة و حُجب الجلالة،و سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء ذلك كله في الحجرات العظمة لا يعلم حقيقته إلاحبيبه سبحانه و تعالى ،وما كان للحبيب تعالى أن يفشي للحبيب صلى الله عليه وسلم سرا، رحمة بالخلق و لطفا من جهة، و استئثارا بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم و غيرة إلهية عليه من جهة. نعود و العود أحمد،قال استاذنا (الَّذِي يُتْلَى القُرْءَانُ مِنْ مَنْبَرِ أَحْمَدِيَّتِهِ)…مَنْ الذي يتلو ؟ ماهي المرتبة التي تصدر عنها تلاوة القرآن؟ قد علمنا أنّ دائرة الاقوال هي الأحمدية ودائرة الافعال هي المحمدية، فمن دائرة الاقوال يصدر القول متلوا على دائرة الأفعال،أحمد يتلو على محمد صلى الله عليه وسلم ،منه إليه ، لكن ..أتلاوة النبوة للقرآن،هي مثل تلاوة الخلق له ؟ لقد علَّمنا سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم من باب الشريعة كيف نتلو القرآن و تناقلت الأمة تلك التلاوة وفق القراءات المتواترة المعلومة،فتعليمهُ صلى الله عليه وسلم فتَحَ البابض للأمة للتأسي بالتأكيد،أما من باب الحقيقة (والشريعة من بنات الحقيقة)،فما تلا القرآن على وجه الإطلاق والكمال،إلاصاحب القرآن المجيد صلى الله عليه وسلم :سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم الموصوف الذي يتلو القرآن والقرآن صفته ،فسبحان من أقام حبيبه تاليا لصفته،إذ الصفةُ القرآنُ ثناءٌ على الموصوف به، والموصوف التالي للصفة أحق و أجدرأن يقوم بذلك من غيره. (وَ مَاتَتلُواْ) فعل جاء رسمه القرآني مخالفا للكتابة الأعتيادية للغة العربية بإضافة الألف، إشارةً أنه فعلٌ جامعٌ لمعاني عظيمة جدًّا لا تسعها تلك اللغة، ففعل تلاوة النبوة للقرآن(وَمَاتَتلُواْ) أتى بصيغة الفعل المضارع الذي يفيد الإستمرار والتأبيد﴿وَمَاتَكُونُ فِي شَأن وَمَاتَتلُواْ مِنهُ مِن قُرءَان﴾،واستمرار التلاوة تفيد استمرار التالي من حيث وجوده الزمني المطلق صلى الله عليه وسلم ، و لاريب فسيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم له وصف الحياة الكاملة الذاتية ، ومن مستلزمات تلاوته صلى الله عليه وسلم و معانيها العرفانية أنه يُظَهِّرُ المقتضيات القرآنية،أي أنّ على يديه ﷺ تخرج تلك المقتضيات لتظهر آثارها في الكون (فَٱنظُرۡ إِلَىٰۤ ءَاثَـٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَیۡفَ یُحۡیِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۤ)،فهو الناظر المراقب لما يتصرَّفُ به هو نفسه ﷺ في الكون، فالأمر منه إليه، لأنه ﷺ القائمُ إصطحابًا بكل الأسماء و الصفات الإلهية،هي رداؤه صلى الله عليه وسلم و حِلْيَتُه،إنه عمل جليل اقتضته الخلافة المحمدية العظمى،الكاملة التصرف حلا و عقدا في المملكة الإلهية،لاجل ذلك كله كانت تلاوته التَّظهيرية لها شأن الإطلاق، لا تعتلّ بسبب أو علة أو كسب مخلوق، و لا تنحصر بعصر دون عصر ،لا، ولا تنحصر بِمَصْر دون مَصْر ، فالموصوف/ النبوة صلى الله عليه وسلم تالٍ لصفته/القرآن،والتلاوة من مقتضيات كلام المتكلم و الموصوف صلى الله عليه وسلم باعتباره سلطان الوجود و رحمته ،لا تحجير في تلاوته للقرآن الذي هو صفته( كان قرآنا يمشي)و قد قال الله تعالى (إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُول كَرِیم )فنَسب القول/القرآن له،فالقرآن صفته وقوله المتلو صلى الله عليه وسلم . لقد آثر العارف نفع الله به ،إيراد فعل التلاوة مبنيا للمجهول(الَّذِي يُتْلَى القُرْءَانُ مِنْ مَنْبَرِ أَحْمَدِيَّتِهِ،وَعَلَى مُحَمَّدِيَّتِهِ يُقْرَأُ)،تلميحا لحجب الستر وسرادقات المَنعة المضروبة حول شأن النبوة تعظيما وتعزيرا،فليس بمقدور الجميع معرفة تجليات تلاوته صلى الله عليه وسلم في الانفُس والآفاق،وهذا من رحمته بالعالمين صلى الله عليه وسلم ولطفه بهم،كما ليس بمقدور الجميع سماع تلاوته صلى الله عليه وسلم أو رؤيته يقظة،فدون ذلك المقام العلي خرط القتاد ( ذلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ)،وقد روى الثقات من فحول أولياء الأمة أنَّ مِنهم مَنْ كان يجتمع يقظة و يسمع مِنْ سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم تلاوته للقرآن،بل إنَّ مِن هؤلاء الفحول المتأخرين زمنا مَن حظي بشرف كرامة مجالسة سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم و سماع تلاوة القرآن منه شِفاهًا وتدريسه له كاملا ،و منهم شيخ شيخنا قدس الله سره الجميع. حَيْثُ لَيْسَ إِلاَّ الْمُخَاطِبُ الأَوَّلُ،وَالْمُخَاطَبُ الأَوَّلُ هذه رقيقة معرفية جليلة،فما ثم إلا مُخاطِبٌ و مُخاطَبٌ و خطاب بينهما،المُخاطِبُ هوالحق سبحانه و تعالى و المُخاطَبُ هو سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم ،الحق سبحانه لم يخاطب احدا إلا حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم. لماذا لم يُخاطِبُ الحق سبحانه إلاسيدنا محمد النبي صلى الله عليه وسلم ؟القرءانُ المجيدُ هوالكلام القديم للحق سبحانه،فهو كلام بعيد عن كلام الخلق،وقد صدر القرآن للوجود من مقتضى الصفة(أحد)،بينما وُجِد الخلقُ مِن مقتضى الأسماء الإلهية التسعة و التسعين،فكان لا بد من وجود واسطة بين الحق والخلق،لأنه لامجانسة بينهما،هاته الواسطة العظيمة كان لها دور الترجمة لهذا الكلام الإلهي القديم لكي يصير متيسرا للخلق قراءته (فَإِنَّمَا یَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ). لذلك،نور النبوة وهومن مقتضى نفس الصفة(أحد) كان هو المنوط به ترجمة القرآن،و لولا أن نور النبوة و نور الفيضة القرآنية خرجا من مشكاة الأحدية،لما ظهرت مقتضيات القرآن مترجمةً ،من هنا كان سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم هو المُخاطَبُ للحق سبحانه،فالنبوة نور إلهي والشاهد قوله تعالى (قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُوروَكِتَـٰب مُّبِین یَهۡدِی بِهِ ٱللَّهُ) النورهناهو نورالنبوة والكتاب هو القرآن ،نور النبوة و نورالقرآن صدرا من مشكاة واحدة،نور النبوة ونور القرآن وجهان لعملة واحدة،وانتبه لدليل هاته الوحدة في الضمير(مِّنَ ٱللَّهِ نُور وَكِتَـٰب مُّبِین یَهۡدِی بِهِ ٱللَّهُ)ما قال يهدي بهما، لا مجانسة بين الحق و الخلق كي يعرف الخلق خطاب الحق،فكان لا بد من وجود واسطة سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم كي يقوم بتبليغ ذاك الخطاب الإلهي للخلق،والنبوة المحمدية بمقتضى وجهتها الحقية هي الوحيدة التي بمستطاعها القيام بذلك قال الحق تعالى واصفا مادحا حبيبه (محمد وهو الحق)، فسبحان من أقام سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم جامعا بين وجهتيْ الحق و الخلق ليتم مراد الله تعالى فَحَمِدَ اللهَ بِلِسَانِ جَمْعِ الجَمْعِ،قَبْلَ القَبْلِ﴿ٱلحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ﴾. جاء في الحديث القدسي المعروف(فإذا قال العبد «ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ» يقول الله حمدني عبدي..).. من العبد القائل؟!!!!هاته إشارة إلى العبد المطلق سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم الذي عبد الحق قبل وجود الخلق، بشاهد الآية العظيمة (قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَد فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَـٰبِدِینَ)،و انتبه لحذف الألف من كلمة( ٱلۡعَـٰبِدِینَ) فتثبيت الحذف رسما هو تعظيم لمن قام بحق العبادةﷺ وحده قبل وجود من يعبُد فأول العابدين لا بد أن يكون من باب الاستلزام أول موجود ، لأن ما من مخلوق إلا وهو عابدٌ لربه طوعا أو كرها، وما حمَد الله على الحقيقة إلا مَنْ كان الحمد له مُسمًّى به تسمى وصفة بها اتصف ، يقول أهل البلاغة أنَّ جملة الْحَمْدُ لِلَّهِ خبر، لكنها استعملت لإنشاء الحمد،وفائدة الجملة الاسمية ديمومة الحمد واستمراره وثباته.وفي قوله «لله» ثمة اختصاص للدلالة على أن جميع المحامد التي حُمد بها الله سبحانه وتعالى لم يَفِ بها إلا صاحب الحمد وحامل لوائه -هنا و هناك- سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم ، ألمْ يقل الحق سبحانه و تعالى مخاطبا حبيبه صلى الله عليه وسلم (وَقُلِ ٱلۡحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی لَمۡ یَتَّخِذۡ وَلَدا وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیك فِی ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ وَلِیّ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِیرَۢا)يقول أهل اللغة أنَّ الفاعل مستتر،لكنه عند اهل التحقيق ظاهر باطن صلى الله عليه وسلم فهو صاحب الحمد و عينه إذ هو من خوطب بالأمر(وَقُلِ ٱلۡحَمْدُ لِلَّهِ )والأمر نافذٌ كائنٌ،والحمدُ منه ﷺ تحقق قبلا و بعدا، تماما كفعل الأمر(وَكَبِّرْهُ) المعطوف عليه (ٱلۡحَمْدُ)،و فالتكبير أيضا مخصوص لصاحب الحمد بشاهد المفعول المطلق(تكبيرًا) والمفعول المطلق للتأكيد كما يقول اهل اللغة، فالحمد و التكبير لله لا يقوم به على وجه الإطلاق إلا يتيم الكون سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم..و من أسرار ربط الحمد بالتكبير ، ما نجده في الصلاة حيث يتوسط الحمد (الفاتحة) التكبيرات (الركعات و الرفع منها) . حَمْدُ النبوةِ لله تعالى،هو حَمْدُ الإمام المطلق صلى الله عليه وسلم الذي فتَح باب الحمد والعبادة و التسبيح مُشْرَعًا لباقي العالمين ليصطفّوا وراءه صلى الله عليه وسلم كمأمومين،فقد قال المعبود سبحانه﴿تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ تُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِیمًا غَفُورا﴾هاته الآية الكريمة تشير إلى تبعية الخلائق للنبوة في تسبيحها لله ،فالنبوة باعتبارها الإمام والقائد و الدليل والخليفة المطلق المتبوع،أبْـقَـتِ السوى خلفها مأمومين تابعين،حَمْدُ النبوة وتسبيحُها لله تعالى هو بالأصالة أي أنه شأن ذاتي قائم به صلى الله عليه وسلم واختصاصٌ لايزاحمه فيه أحد ، بينما تسبيح باقي العالمين هو بالتبع والتقليد و التّأسّي به (أسوة حسنة)،وما دامت الخلائق مِن عالم الشيء (وَإِن مِّن شَیۡءٍ) فإنَّ تسبيحها تابعٌ مُؤْتَمٌّ بسيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم في تسبيحه و حمده، وهو صلى الله عليه وسلم حق و شأن غيبي مطمطم(إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ)،وانتبه يا ولي إلى باء الواسطة بحمده هو صلى الله عليه وسلم ،بإمامته كان العالمين مأمومون مرحومون مسبِّحون ( وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ…)،فبقيامه هو صلى الله عليه وسلم بحق الحمد و حق التسبيح لله،استطاعت الخلائق تسبيح ربها ، وهذا من أعظم نِعم النبوة على العالمين :نعمة كونه برزخَ إمداد لهم بالتسبيح تأسيا به ، بعد أن كان عِلة إيجادٍ لهم ،مِن ثم حقق مشايخ مشربنا الفاطمي المحمدي أعلى الله مناره أنَّ الصلاة على المولى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي تسبيحٌ لله تعالى . إنْ تقَرَّرَ ذلك ، عَلِمْنا لمَ جاء الحمدُ مُتقدِّمًا على إسم الجلالة في الآية «ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ» ، فما قال الحق سبحانه (لله الحمد رب العلمين)،فالتقديم جاء إقرارا ضمنيا بالواسطة العظمى التي لا يتم هذا العمل العبادي العظيم إلا بها : فما قام بالحمد لله غير سيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم ،و قد قرأ الجمهور:«الحمدُ لِلَّه» برفع الدال وكسر لام الجر، ورفعُه على الابتداء،والخبرُ الجار والمجرور بعده فيتعلَّقُ بمحذوف هو الخبرُ في الحقيقة و قالوا عن ذلك المحذوفُ إن شئتَ قدَّرْتَه اسماً وهو المختار، وإنْ شئتَ قدَّرْتَه فِعْلاً، أي: الحمدُ مستقرٌّ لله أو استقرَّ لله… ونحن نقول:التقديريتعلق بمن كان عين ذلك الحمد و مجلاه فيكون المعنى أن :الحمد لله لم يقم به حقا ومطلقا إلامن كان الحمد مشتقا من إسمه ووصفه «محمد أحمد» فهو صلى الله عليه وسلم من هاته الوجهة رب للعالمين وإمام لهم ومربيهم على سلوك سبيل الحمد،فالحمد اعلى مراتب العبادة الحق.. من هاته الحيثية الرقيقة قال العارف : فَسِرُّ الرُّبُوبِيَّةِ ظَهَرَ فِيهِ وَمِنْهُ: أي أن سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم حامل لِسر الربوبية ،بل هو مُتَرَدٍّ بهذا الوصف، قائمٌ به بسلطان الإصطحاب وقُوّته، فما من إسم أو صفة إلهية إلا وسيدنا ومولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم لابسٌ لها باعتبار وجهته الحقية التي تفارقه عن الخلق (قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُور وَكِتَـٰب مُّبِین) (إني لست كهيأتكم)،وما ظهور تلك الأسماء والصفات فيه إلا قيام مطلق منه صلى الله عليه وسلم بحق الخلافة عن الله تعالى في العالمين،وما ظهورها منه إلا تصرفٌ كاملٌ منه صلى الله عليه وسلم في مُلك الله بما ينفع خلق الله،والعالمين كلهم عيالُ الله،أرسل لهم عبده وحبيبه ورسوله النبي صلى الله عليه وسلم في وِجهته الخَلقية التي تجانسهم،ليَعُولهم و يراقب شؤونهم ،و يقسم العطايا الإلهية عليهم، لذلك فهو سيدهم و ربهم،وولي أمرهم وهوعين الرحمة الإلهية المرسلة إليهم. إن كانت الربوبية مشتركة،قد إدعاها باطلا عباد خلقهم الله ، ومنهم فرعون (اَ۪ذْهَبِ اِلَيٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغ۪ى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَيٰٓ أَن تَزَّكّ۪ى وَأَهْدِيَكَ إِلَيٰ رَبِّكَ فَتَخْش۪يٰۖ فَأَر۪يٰهُ اُ۬لَايَةَ اَ۬لْكُبْر۪ى فَكَذَّبَ وَعَص۪ى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْع۪ى فَحَشَرَ فَنَاد۪ى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ اُ۬لَاعْل۪ى)،فإنّ الربوبية منسوبة على سبيل التجاوز لمن استحق وصف السيادة ، فتجد الرجل في بيته يُدعى رب البيت ، بمعنى قيامه بشوؤن مَنْ له مسؤولية إعالتهم مِن أهلٍ و عيالٍ و ممن ملكت يمينه، ويبقى وصف الربوبية في مجلاه الأدق مخصوصاً لسيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره سيدَ الوجود ،والعلةَ في وجود كل موجود،والمُعيل لأعالي الكون وأسافله،فهذا الوصف ضمن أوصاف النبوة جليلة القدر وحُلاها التي لايزاحمه فيها أحد لانها مُلكُهُ ومالُه (وَلَا تَقۡرَبُوا۟ مَالَ ٱلۡیَتِیمِ )صلى الله عليه وسلم ،فكان نوال العالمين كلهم آتٍ من يمينه العظيم عطاءً وقسمة ،وهذا من سر إرسال الحق له صلى الله عليه وسلم إليهم(وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ)،ومن كانت هاته أوصافه و تدبيراته في إعالة كل مربوب،لاريب أنه سيكون حاضرا ناظرا شاهدا شهيدا،جفت الاقلام وطويت الصحف، وقد أحسن العارف نفع الله به حين أورَدَ حديثا له صلى الله عليه وسلم يقرر ذلك على سبيل الإشارة لِمَنْ رقَّ توحيده فعظَّم شأن نبيه و مولاه صلى الله عليه وسلم: * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لاَتَدْعُونَ أَصَماً،وَلاَ غَائِباً إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْنَاقِ رِكَابِكُمْ * والمعنى أن قيام سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم بالتربية و الإعالة و إعطاء القسائم الإلهية على عائلة العالمين هو من مجالي سريان رحمته عليهم وظهور ربوبيته عليهم ،وحاشا لصاحب العطاء الألهي أن يكون أصما أو غائبا و الحق تعالى الذي أقامه عنه خليفة يمدحه (تُتۡلَىٰ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتُ ٱللَّهِ وَفِیكُمۡ رَسُولُهُ)(وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ فِیكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِ)،وحاشاه سبحانه أن يقيم حبيبه صلى الله عليه وسلم بابا لاستجابة الدعاء و مَيــْزَبًا له وقاسمًا ،ثم يترك الخلق الداعين له همَلا ،وقد علمتنا الشريعة الغراء أن الله لا يرد دعاء من استفتح واختتم دعاءه بالصلاة والسلام ،فمن ندعوه للاستجابة هو بيننا، حاضر شاهد صلى الله عليه وسلم ،وقد خاطبه الحق بالشهادة (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِد اوَمُبَشِّراوَنَذِیرا)فمن كان كذلك كيف لا يكون حضوره كاملا لا يغيب،لذلك أتى العارف على ذكر بعضٍ من جوامع وظائف النبوة تجاه العالمين:
• من حيث التربية (رَبَّاهُمْ) • من حيث التعريف بالخالق تعالى (وَعَرَّفَهُمْ بِخَالِقِهِمْ) • من حيث التعليم لهم (وَعَلَّمَهُمْ عِبَادَةَ رَبِهِمْ،فَهُوَ العَارِفُ، وَالمُعَرِّفُ، وَالمُعَرَّفُ)
• من حيث القيام بكل ما يفي بسريان رحمته فيهم باعتباره مراقب الكون (وَقَائِدُ الكَوْنِ،وَالشَاهِدُ عَلَيْهِ) • ومن حيث شفاعته فيهم(وَشَفِيعُهُ).. و ياسبحان الله كيف أن الكثير يظن أن شفاعة سيدنا و مولانا محمد النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصة محصورة فقط في الآخرة . و الحقيقة : أن شفاعته صلى الله عليه وسلم لا تفارق الكون على مرور الأنفاس و اللمحات في الدنيا و البرزخ و الاخرة ، قال شيخنا نفع الله به في الصلاة 75 من أسرار و حقائق(فمن احتمى بظل محمديته من أوحال التوحيد سلم.ومن استمسك بحبل أحمديته،من غوائل الشرك عصم.لما توسل به ادم لم يلام. وكان في صلب ابراهيم فسلم من النيران،عليهما أزكى السلام ﴿وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين﴾.ولئن كانت الشفاعة هي التوسط بين إثنين بغرض جلب منفعة أو دفع مضرة عن أحدهما ممن يحتاج للنفع او لدفع الضر،فلا ريب ستقوم الشفاعة على اركانٍ ثلاث:
١-المشفوع إليه = صاحب الفضل
٢- الشافع = الوسيط
٣-المشفوع له = الطالب لجلب المنفعة او لدفع المضرة…
و لله و لنبيه صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى :
-المشفوع إليه : هو الحق تعالى…
-الشافع/الشفيع : هو المولى سيدنا محمد النبي صلى الله عليه وسلم فوساطته /شفاعته كانت مذ خَلق الحق العالمين. – الموسوط له / المشفوع له هو العالمين أي مسمى الخلق، قال الشيخ العارف بن مشيش نفع الله به (لولا الواسطة لذهب الموسوط)،فالشفاعة المحمدية لا تنقطع دنيا و برزخا و آخرة لان مناط الرحمة و اللطف والقسائم الإلهية لاتخرج إلامن يده صلى الله عليه وسلم ،بَيْدَ أن تلكم الشفاعة في الآخرة تتبدى جليًّا :فيرى الخلق جميعا عظمة النبوة و وساطتها حين يحصل التجلي غضبا من قِبَل الرب تعالى،فلا تثبت الوساطة والشفاعة إلا من كانت هي له صفة ذاتية،والصفة لا تفارق الموصوف بها ، فكما كان البدء بالنبوة متصفة بالشفاعة مُلطِّفَةً لتجليات الأسماء الإلهية في الدنيا مع إيصال القسائم لمستحقيها ترديا بكل الأسماء والصفات التي هي غذاء الكون و قوته،كذلك الإختتام للنبوة في الظهور بالشفاعة الكبرى يوم القيامة،قال شيخ شيخنا قدس الله أسرارالجميع و نفعنا بهم (وأما الشفاعة فإنه ينتظرها في يوم القيامة، ومَنْ رقَّ إيمانه فإنه يجد حلاوتها في كل وقت وحين، ويلمسها في كل التجليات الخاصة والعامة )، قال أحد المُحبّين ناظما شوقه على بحر الطويل :
أمولاي يا ذا الإصْطحاب حبيبُنا لئن جــلَّ ذنبي قد علِمْتُكَ تَشْفَــعُ
لئن كُنْتُ بالتّضْيـــيعِ مُتَّصِفاً ،فلا وحاشاك للعبْدِ المُــحِـــبِّ تُضَــيِّــــعُ
وحاشاك أنْ تَــــمْــــنَــعْ قِراكَ لقاصِدٍ ألاَ ” أرِنــِي أنْظُر إليْكَ” فأُرْفَعُ
….والحمد لله على نعمة سيدنا و مولانا محمد النبي ﷺ في البدء و الختام حق قدره ﷺ… ابن الفاطمي
حصل المقال على : 171 مشاهدة