السؤال الخامس والعشرون:
ما السبب في اختلاف نظر الخلق في وجوه المعارف،فكل طائفة تجد لهم في الله مقالة من الانس والجن؟.
سبب الاختلاف:
— أولا:الإرادة الإلهية،فالحق سبحانه وتعالى فعال لما يريد.قال تعالى (لو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)(هود) وقال تعالى (ان ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)(يونس)فللختلاف خلقنا لا للائتلاف، الاختلاف في كل شيء،في الصورة،وفي المسكن،في العقيدة،في اللغة ،في الآراء….وفي المعارف.
ثانيا : المعارف الإلهية ليست علوما عقليةأو نقلية،هي علوم ناتجة عن الكشف والمشاهدة، والإلهام الرباني فتختلف حسب مقام كل عارف. أما العلوم الدنيوية فهي تابعة لما يريد الله اظهاره في كل زمان
— ثالثا :الأسماء الإلهية متضادة ومتشاجرة فيما بينها،والكون كله يسير تحت حكم سلطانها،وبالتالي فهي تنتج مقتضيات مختلفة،فظهر اختلاف الخلائق في كل شيء عموما وفي وجوه المعارف الإلهية خصوصا .فمدد الكون منها وسر استمراريته يستند إليها.
قال تعالى (كل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا)فالمدد من الله تعالى،وواسطة فيه النبوة المحمدية،ويصل الى صاحبه عبر التجليات الإلهية، والتجليات الإلهية تختلف للوسع الإلهي(كل يوم هو في شان)لأن الكون مفتقر إلى خالقه في أقل من لمحة بصر.
التجليات الإلهية هي مدد الكون وغذاؤه،لا تنقطع عن الكون،ولا تكرار في الوجود وإن ظهر في الشهود،فما تجلى الحق تعالى لشخصين إثنين بنفس التجلي للوسع الإلهي،فالتجليات الإلهية كما تختلف ولا تتكرر ،فهي كذلك تترقى في حرارتها ومقتضاتها، سواء الجمالية أوالجلالية.
قال تعالى(كل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك)و”هؤلاء“الاولى غير”هؤلاء” الثانية فالمدد يصل الكون كله كافره ومسلمه، عربيه وأعجمه.والمعارف منها ماهو دنيوي كتقدم التكنولوجية والاختراعات،ومنها ماهو معنوي كظهور حضرات محمدية وفتوحات أحمدية،تتبعها تجليات مُباشِرة في قلوب العارفين،وتنتج علوما لدنية وأسرارا ربانية، والفتوحات الجديدة.يتبعها تقدم الكون فصلوات العارفين وتغزلاتهم في المحمدية، وتنقيبهم عن خبايا وخفايا الاحمدية، يظهر الإختراعات والتقدم التكنولوجي،فتأمل هذا السر،وتذكر قول ابن مشيش “ولاشئ الا وهو به منوط “وتأمل فضل الأمة المحمدية على سائر الامم﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ففضل هذه الأمة يعود بالخير على الإنسانية جمعاء.
يقول ابن قضيب البان في مواقفه: أوقفني الله تعالى على بساط القطبية وقال لي:الإنسان الكامل قطب الشأن الإلهي، وغوث الآن الزماني.
وكذلك الشيخ ابراهيم الدسوقي (ت 696هـ) يقول
:
أنا القطب المبارك قدره●وأن مدار الكل من حول ذروتي
ولولا زنادي في الطبيعة قادح●لما قامت الأشخاص من فلك طينتي
وحكمي في سائر الأرض كلها ●وفي الجن والأشباح والمردة
ولهذا قيل الغوث محل نظر الله من العالم. الاختلاف سببه الإرادة الإلهية،وتظهره تجليات الأسماء الإلهية المتضادة،فتشاجرها ينتج اختلافا في مقتضياتها،سواء كانت علوما دنيوية،تخص عالم الشهادة ،أو كانت أسرارا الربانية لا تنال الا بالفتح.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.