أنفاس العارفين: الشيخ محمد البرهومي

يقول الشيخ محمد الشريف :الحسني البرهومي

كان الله ولا شيء معه في وجوب وجوده،وهو الآن على ما عليه كان بديمومية آزاله،ولمّا أراد أن يتعرف إلى سواه،شاء أن يخلق الخلائق،فتجلّى بذاته فأوجد نسخة جامعة تكون محلا لاستواءاته،ومظهرا لكمالاته ،وواسطة لتجليّاته،وبرزخا لمقابلاته،لتحقق المناسبة فيها،كونها أثرا لقدم العظموت الأكبر.فمنها كان الوجود الإمكاني،لمّا أرادت المشيئة الإلهية إبداعه،فظلّ صلى الله عليه وسلم بروحه المحيط،هو الواسطة العظمى ،في إيجاد الحوادث،وإمداداتها إلى أبد الآباد.فإذا أراد سبحانه أمرا بالعباد،تجلّى على حضرة الهيولى الأم مدرارا،فتستورده لسعة قابليتها المثليّة،ثم تصدّره لكلّ ذرّة في العالمين ،بمقدار القوابل،وميزان الأقدار.وإلّا فلا قوام للأكوان من دون قيّوميّة إمداده صلى الله عليه وسلم،ولا وجود لعدمنا الظاهر من دون حيويّة أنواره صلى الله عليه وسلم،ذاك الذي يصلنا بحضرة الربوبيّة حيث أنّه لا مناسبة بين الخلق وكبرياء ربّهم ،حتّى يباشروا سبحات جبروته سبحانه،إلّا من باب الشفيع الأوسط صلى الله عليه وسلم.والحق أن تقول أنّه لمّا كانت حضرته الأميّة صلى الله عليه وسلم،على ذلك العظم من التّحققات الذاتيّة،فإنّ كلّ ما تحتاجه عوائل الإمكان من قوت حسيّ أو معنوي،فهو خزانة جمعه وبحر إفاضته ،الذي تكمن فيه المدود بالضرورة،ككمون الجزء في الكلّ.فمن هنا وبهذه الهيمنة ملّكه الحق عزّوجلّ سلطة البرايا برمتها،لثبوت أهليّة الرّعاية فيه صلى الله عليه وسلم، فكان ولازال هو أب الوجود،وربّ المدود،بلا جحود.ولذلك توّجته الذّات بأنيّتها، وزمّلته برداء شؤونها.

واعلم أن حقيقة مقام الوساطة هذا،هو من أغيب وأغرب النواميس التي تسري في عروق الوجود،وماذلك إلّا لدقّة ما تتضمّنه من أسرار،من كلّ الوجوه.سواء من الممدّ صلى الله عليه وسلم فمن لنا بإدراك سرائره وضمائره المضنونات،أو من جهة المستمد ومن لنا بمكاشفة رقائقنا المكنونات،وأنّى لنا أن نحيط بكل ذرّة في الكيان أومن جهة الإمداد نفسه فهو:من أسرار القدرالمحرّمة،أومن جهة الأشياء الممدودة،لكثرتها وتنوعها وللطافة بعضها وغرابة الأخرى.وهكذا..

من أجل ذلك غيّبت هذه الحقائق عن ساحة الشواهد،إن لم نقل حتّى عن باحة المشاهد،لأنّها تخفى وتغرب بقدرمتعلقاتها،فليس إمداد ذوي العزم من الرّسل، كإمداد غيرهم،ولاإمدادات الأسرار واللّطائف،كإمدادات غيرهن من التجلّيّات،ولا الإمدادات الكثبانيّة،كغيرهنّ من الحضائر . اهـ

من كتاب (الواسطة العظمى ).

 

حصل المقال على : 75 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد